الأصل، فصورة المسألة فيما إذا لم يخطر له التشبيه بإحرام زيد في الحال ولا في أوله. فإن خطر له التشبيه بأوله أو بالحال فالاعتبار بما خطر له قطعا، ولو أخبره زيد بما أحرم ووقع في نفسه خلافه عمل بما أخبره على الأصح في زيادة الروضة، لأنه لا يعلم إلا من جهته. ولو علق إحرامه على إحرام زيد في المستقبل، كأن قال إذا أو نحوها ك متى، أو إن أحرم زيد فأنا محرم لم ينعقد إحرامه مطلقا، كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فأنا محرم لا يصح إحرامه مطلقا، لأن العبادة لا تعلق بالاخطار، أو قال إن كان زيد محرما فأنا محرم وكان زيد محرما انعقد إحرامه، وإلا فلا تبعا له. قال الرافعي: ويجوز أن يصح في الأولى كهذه، إلا أن تلك تعليق بمستقبل وهذه تعليق بحاضر، وما يقبل التعليق من العقود يقبلها جميعا.
وأجيب بأن المعلق بحاضر أقل غررا لوجوده في الواقع فكان قريبا من أحرمت كإحرام زيد في الجملة، بخلاف المعلق بمستقبل. (فإن تعذر معرفة إحرامه) وعبر في الحاوي الصغير ب تعسر، ولعل مراده التعذر، وسواء علم أنه أحرم أم جهل حاله، (بموته) أو جنونه أو غير ذلك كغيبة بعيدة، (جعل) عمرو (نفسه قارنا) بأن ينوي القران ولم يجتهد، وكذا إن نسي المحرم ما أحرم به، لأن كل منهما تلبس بالاحرام يقينا فلا يتحلل إلا بيقين الاتيان بالمشروع فيه، كما لو شك في عدد الركعات لا يجتهد. والفرق بينه وبين الأواني والقبلة أن أداء العبادة ثم لا يحصل بيقين إلا بعد فعل محظور، وهو أن يصلي لغير القبلة أو يستعمل نجسا، فلذلك جاز التحري، وهنا يحصل الأداء بيقين من غير فعل محظور. (وعمل أعمال النسكين) ليتحقق الخروج عما شرع فيه فتبرأ ذمته من الحج بعد إتيانه بأعماله، لأنه إما محرم به أو مدخل له على العمرة، ولا تبرأ ذمته من العمرة لاحتمال أنه أحرم بالحج، ويمتنع إدخالها عليه ولا دم عليه، إذ الحاصل له الحج فقط، واحتمال حصول العمرة لا يوجبه إذ لا وجوب بالشك ولكن يستحب له ذلك. ولو اقتصر على نية الحج وأتى بأعماله أجزأه عن الحج فقط ولا دم عليه أيضا، فالواجب لتحصيل الحج نيته أو نية القران، وهي أولى لتحصل البراءة من العمرة أيضا على وجه. أو اقتصر على أعمال الحج من غير نية حصل التحلل الأول لا البراءة من شئ منهما لشكه فيما أتى به، أو اقتصر على عمل العمرة لم يحصل التحلل أيضا، وإن نواها، لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم أعماله مع أن وقته باق. ولو أحرم كإحرام زيد وبكر صار مثلهما في إحرامهما إن اتفقا فيما أحرما به، وإلا صار قارنا، فيأتي بما يأتيان به. نعم إن كان إحرامهما فاسدا انعقد إحرامه مطلقا كما علم مما مر، أو أحرم أحدهما فقط، فالقياس كما قال شيخنا إن إحرامه ينعقد صحيحا في الصحيح، ومطلقا في الفاسد.
فصل: في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم من الأمور الآتية: (المحرم) أي مريد الاحرام، (ينوي) بقلبه حتما دخوله في حج أو عمرة أو فيهما. ولا تجب نية الفرضية جزما كما في المجموع، لأنه لو نوى النفل لوقع عن الفرض كما مر فلا فائدة في الايجاب. (ويلبي) مع نية الاحرام بعد التلفظ بها، فينوي بقلبه ويقول بلسانه نويت الحج مثلا وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم لبيك إلخ. ولا يسن ذكر ما أحرم به في غير التلبية الأولى، لأن إخفاء العبادة أفضل.
ولو نوى بقلبه نسكا ونطق لسانه بغيره انعقد ما نواه بقلبه. ويسن أن يستقبل القبلة عند الاحرام، وأن يقول: اللهم أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي. (فإن لبى بلا نية لم ينعقد إحرامه) على الأصح لخبر: إنما الأعمال بالنيات، وقيل: ينعقد، وتقوم التلبية مقام النية (وإن نوى ولم يلب انعقد على الصحيح) كسائر العبادات، والثاني: لا ينعقد، لاطباق الأمة عليها عند الاحرام، كالصلاة لا تنعقد إلا بالتلبية والتكبير. (ويسن الغسل) لاحد أمور سبعة: أحدها: (للاحرام) أي عند إرادته بحج أو عمرة أو بهما أو مطلقا من رجل أو صبي أو امرأة حائض أو نفساء للاتباع، رواه الترمذي وحسنه. وإنما لم يجب لأنه غسل لمستقبل كغسل. الجمعة والعيد، ويكره تركه وإحرامه جنبا، وغير المميز يغسله وليه لأن حكمة هذا الغسل التنظيف، ولهذا سن للحائض والنفساء. وروى أبو داود والترمذي خبر: إن الحائض والنفساء