والقسم الثالث: يشتمل على دم الحلق والقلم، فهو دم تخيير بمعنى أنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة عليه، فيتخير إذا حلق ثلاث شعرات أو قلم ثلاثة أظفار ولاء بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وصوم ثلاثة أيام، وعلى دم الاستمتاع، وهو التطيب، والدهن بفتح الدال للرأس أو اللحية وبعض شعور الوجه على خلاف تقدم، واللبس ومقدمات الجماع والاستمناء والجماع غير المفسد. والقسم الرابع: يشتمل على دم جزاء الصيد والشجر. فجملة هذه الدماء عشرون دما، ونظم الدميري رحمه الله تعالى هذه الخاتمة فقال: خاتمة من الدماء التزم مرتبا وما بتخيير لزم والصفتان لا اجتماع لهما كالعدل والتقويم حيث فهما فالدم بالترتيب والتقدير في تمتع فوت قران اكتفى وترك ميقات ورمي ووداع مع المبيتين بلا عذر يشاع ثم مرتب بتعديل سقط في مفسد الجماع والحصر فقط مخير مقدر دهن لباس والحلق والقلم وطيب فيه باس والوطئ حيث الشاة والمقدمات مخير معدل صيد نبات وهذه الدماء كلها لا تختص بوقت كما مر، وتراق في النسك الذي وجبت فيه. ودم الفوات يجزئ بعد دخول وقت الاحرام بالقضاء كالمتمتع إذا فرغ من عمرته فإنه يجوز له أن يذبح قبل الاحرام بالحج، وهذا هو المعتمد وإن قال ابن المقري إنه لا يجزئ إلا بعد الاحرام بالقضاء. وكل هذه الدماء وبدلها من الطعام تختص تفرقته بالحرم على مساكينه، وكذا يختص به الذبح إلا دم المحصر فيذبح حيث أحصر كما سيأتي. فإن عدم المساكين في الحرم أخره كما مر حتى يجدهم، كمن نذر التصدق على فقراء بلد يجدهم. ويسن لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي إليها شيئا من النعم لخبر الصحيحين:
أنه (ص) أهدى في حجة الوداع مائة بدنة، ولا يجب ذلك إلا بالنذر. ويسن أن يقلد البدنة أو البقرة نعلين من النعال التي تلبس في الاحرام، ويتصدق بهما بعد ذبحها، ثم يجرح صفحة سنامها اليمنى بحديدة مستقبلا لها القبلة ويلطخها بالدم لتعرف، فإن قرن هديين بحبل جرح الآخر في الصفحة اليسرى، والغنم لا تجرح بل تقلد عرى القرب وآذانها، ولا يلزم بذلك ذبحها.
باب الاحصار:
عن أركان الحج أو العمرة (والفوات) للحج وما يذكر معهما من بقية موانع الحج. والموانع ستة: أولها الاحصار العام، وهو منع المحرمين عن المضي من جميع الطرق، يقال أحصره وحصره، لكن الأول أشهر في حصر المرض، والثاني أشهر في حصر العدو، وقد بدأ المصنف بحكم هذا الثاني، فقال: (من أحصر) أي منع من جميع الطرق عن إتمام الحج أو العمرة، (تحلل) جوازا بما سيأتي لا وجوبا، سواء أكان حاجا أم معتمرا أم قارنا، وسواء أكان المنع بقطع الطريق أم بغيره، وسواء أكان المانع كافرا أم مسلما، سواء أمكن المضي بقتال أم ببذل مال أم لم يمكن منع من الرجوع أيضا أم لا، وذلك لقوله تعالى: * (فإن أحصرتم) *، أي وأردتم التحلل * (فما استيسر من الهدي) * إذ الاحصار بمجرده لا يوجب الهدي، والآية نزلت بالحديبية حين صد المشركون النبي (ص) من البيت، وكان معتمرا فنحر ثم حلق، وقال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، ولان في مصابرة الاحرام إلى أن يأتي بالاعمال مشاقا وحرجا قد رفعه الله سبحانه وتعالى عنا بفضله وكرمه، وأجمع المسلمون على ذلك. أما إذا تمكنوا بغير قتال أو بذل مال فلا يتحللون، وعلم من ذلك أنه لو طلب منهم لم يلزمهم بذل، وهو كذلك وإن قل، أي قلة