في التفسير هل هو أكثر من القرآن أو لا، فإنه يحرم على المحدث مسه، وأجبت عن ذلك في شرح التنبيه.
تنبيه: قال الشارح: وتوسع المصنف في نصب الضبة بفعلها نصب المصدر، أي لأن انتصاب الضبة على المفعول المطلق فيه توسع على خلاف الأكثر، فإن أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا، وهو اسم الحدث الجاري على الفعل كما هو معروف في محله، نحو: * (وكلم الله موسى تكليما) *. لكن قد ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق أشياء: منها ما يشارك المصدر في حروفه التي بنيت صيغته منها، ويسمى المشارك في المادة، وهو أقسام: منها ما يكون اسم عين لا حدث كالضبة فيما نحن فيه، ونحو قوله عز وجل: * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) * فضبة اسم عين مشارك لمصدر ضبب، وهو التضبيب في مادته، فأنيب منابه في انتصابه على المفعول المطلق.
فائدة: سئل فقيه العرب عن الوضوء من الاناء المعوج، فقال: إن أصاب الماء، أي القليل تعويجه، لم يجز وإلا جاز.
والمراد به المضبب بالعاج، وهو ناب الفيل، ولا يسمى غيرنا به عاجا. وليس مرادهم بفقيه العرب شخصا معينا، وإنما يذكرون ألغازا وملحا ينسبونها إليه، وهو مجهول لا يعرف ونكرة لا يتعرف.
تتمة: تسمير الدراهم في الاناء كالتضبيب فيأتي فيه التفصيل السابق، بخلاف طرحها فيه لا يحرم به استعمال الاناء مطلقا ولا يكره، وكذا لو شرب بكفه وفي أصبعه خاتم أو في فمه دراهم أو شرب بكفه وفيها دراهم، فإن جعل للاناء حلقة من فضة أو سلسلة منها أو رأسا جاز، وإنما جاز ذلك في الرأس لأنه منفصل عن الاناء لا يستعمل، قال الرافعي:
ولك منعه بأنه مستعمل بحسبه، وإن سلم فليكن فيه خلاف الاتخاذ، ويمنع بأن الاتخاذ يجر إلى الاستعمال المحرم بخلاف هذا. والمراد به ما يجعل في فم الكوز فهو قطعة فضة، أما ما يجعل كالإناء ويغطى به فإنه يحرم، أما الذهب فلا يجوز منه ذلك. ويسن إذا جن الليل تغطية الاناء ولو بعرض عود وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة، وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل وإطفاء المصباح للنوم.
خاتمة: أواني المشركين إن كانوا لا يتعبدون استعمال النجاسة كأهل الكتاب فهي كآنية المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة، وتوضأ عمر من جر نصرانية، والجر والجرار جمع جرة، ويكره استعمالها لعدم تحرزهم. وإن كانوا يتدينون باستعمال النجاسة كطائفة من المجوس يغتسلون ببول البقر تقربا، ففي جواز استعمالها وجهان، أخذ من القولين في تعارض الأصل والغالب، ولكن يكره استعمال أوانيهم وملبوسهم وما يلي أسافهم - أي مما يلي الجلد - أشد، وأواني مائهم أخف. ويجري الوجهان في أواني مدمني الخمر والقصابين الذين لا يحترزون من النجاسة، والأصح الجواز، أي مع الكراهة أخذا مما مر.
(باب أسباب الحدث) والمراد به عند الاطلاق كما هنا الأصغر غالبا. والأسباب جمع سبب، وهو كل شئ يتوصل به إلى غيره، وتقدم تعريف الباب والحدث لغة واصطلاحا، والمراد بالحدث هنا الأسباب نفسها، ولكن إضافتها إليه تقتضي تفسير الحدث بغير الأسباب إلا أن تجعل الإضافة بيانية، والأصح أنه مختص بالأعضاء الأربعة، لأن وجوب الغسل والمسح مختصان بها وأن كل عضو يرتفع حدثه بغسله في المغسول وبمسحه في الممسوح، وإنما حرم مس المصحف بذلك العضو بعد غسله قبل تمام الطهارة لأنه لا يسمى متطهرا، وقد قال تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * وتعبيره كالمحرر بالأسباب أولى من التعبير بما ينقض الوضوء، لأن الأصح أنه لا يقال انتقض الوضوء بل انتهى، كما يقال انتهى الصوم لا بطل، قال في الدقائق. لكن المصنف عبر بعد ذلك بالنقض بقوله: فخرج المعتاد نقض ويؤول بمعنى انتهى الطهر به. قال الزمخشري: وإنما بوب المصنفون في كل فن من كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم لأن القارئ إذا ختم بابا من كتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل، بخلاف ما لو استمر على الكتاب بطوله، ومثله المسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا نفس ذلك