مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ١٦
وزهادته وسؤدده وسيادته كان ذا كرامات ظاهرة وآيات باهرة وسطوات قاهرة، فلذلك أحيا الله تعالى ذكره بعد مماته، واعترف اله العلم بعظيم بركاته ونفع بتصانيفه في حياته وبعد وفاته فلا يكاد يستغنى عنها أحد من أصحاب المذاهب المختلفة ولا تزال القلوب على محبة ما الفه مؤتلفة، قد دأب في طلب العلم حتى فاق أهل زمانه ودعا إلى الله تعالى في سره واعلانه.
حفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف وحفظ زبع المهذب في بقية السنة ومكث قريبا من سنتين لا يضع جنبه على الأرض، وكان يقرا في اليوم والليلة اثنى عشر درسا في عدة من العلوم وكان يديم الصيام ولا تزال مقلته ساهرة ولا يأكل من فواكه دمشق لما في ضمنها من الشبه الظاهرة ولا يدخل الحمام تنعما وانخرط في سلك " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وكان يقتات مما يأتيه من قبل أبويه كفافا ويؤثر على نفسه الذين لا يسألون الناس الحافا، فلذلك لم يتزوج إلى أن خرج من الدنيا معافى ولا يأكل الا اكلة واحدة في اليوم والليلة بعد العشاء الآخرة ولا يشرب الأشربة واحدة عند السحر ولا يشرب الماء المبرد الملقى فيه الثلج وكان كثير السهر في العبادة والتصنيف آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر يواجه الملوك فمن دونهم، وحج حجتين مبرورتين لا رياء فيهما ولا سمعة وطهر الله من الفواحش قلبه ولسانه وسمعه وأولى دار الحديث الأشرفية سنة خمس وستين وستمائة فلم يأخذ من علومها شيئا إلى أن توفى وكان يلبس ثوبا قطنا وعمامة سختيانية وفي لحيته شعرات بيض وعليه سكينة ووقار في حال البحث مع الفقهاء وفي غيره. ولد في العشر الأول من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بنوى ثم انتقل إلى دمشق ثم سافر إلى بلده وزار القدس والخليل ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه وتوفى ليلة الأربعاء رابع عشر شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة ودفن ببلده، وهذه إشارة لطيفة ذكرناها من بعض مناقبه تبركا به رضى الله تعالى عنه وأحله رضا رضوانه، ومتعه بوجهه الكريم وبالداني من ثمار جنانه.
ولما كانت الصلاة أفضل العبادات تعد الايمان ومن أعظم شروطها الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم " مفتاح الصلاة الطهور " والشرط مقدم طبعا فقدم وضعا بدا المصنف بها فقال: هذا: (كتاب) بيان أحكام (الطهارة) اعلم أن الكتاب لغة معناه الضم والجمع، يقال: كتبت كتبا وكتابة وكتابا، ومنه قولهم: تكتبت بنو فلان، إذا اجتمعوا، وكتب: إذا خط بالقلم لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف، فهو إما مصدر لكن لضم مخصوص أو اسم مفعول بمعنى مكتوب، كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، أي مضروبه. أو اسم فاعل بمعنى الجامع لما أضيف إليه. قال أبو حيان: ولا يصح أن يكون مشتقا من الكتب لأن المصدر لا يشتق من المصدر. وأجيب بأن المزيد يشتق من المجرد.
واصطلاحا اسم لجملة مختصة من العلم، ويعبر عنها بالباب وبالفصل أيضا، فإن جمع بين الثلاثة قيل: الكتاب اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على أبواب وفصول غالبا، والباب اسم لجملة مختصة من الكتاب مشتملة على فصول غالبا، والفصل اسم لجملة مختصة من الباب مشتملة على مسائل غالبا. والباب لغة: ما يتوصل منه إلى غيره، والفصل لغة: هو الحاجز. والكتاب هنا خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى محذوفين كما قدرته، وكذا كل كتاب وباب وفصل بحسب ما يليق به. وإذ قد علمت ذلك فلا احتياج إلى تقدير ذلك في كل كتاب أو باب كما فعلت في شرح التنبيه بعدما ذكر اختصارا.
والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح الهاء وضمها، والفتح أفصح، يطهر بالضم فيهما. وهي لغة: النظافة والخلوص من الأدناس حسية كالأنجاس أو معنوية كالعيوب، يقال: تطهر بالماء، وهم قوم يتطهرون: أي يتنزهون عن العيب. وشرعا:
تستعمل بمعنى زوال المنع المترتب على الحدث والخبث، وبمعنى الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو لإفادة بعض آثاره كالتيمم فإنه يفيد جواز الصلاة الذي هو من آثار ذلك، والمراد هنا الثاني لا جرم. وقد عرفها المصنف في مجموعه مدخلا فيها الأغسال المسنونة ونحوها بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما. وقوله: وعلى صورتهما يعلم به أنه لم يرد بما في معناهما ما يشاركهما في الحقيقة، ولهذا قال: وقولنا أو ما في معناهما أردنا به التيمم والأغسال المسنونة
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532