فتستفيد منه أن الخلاف في الاستحباب ولا يستفاد ذلك من المحرر اه. وتبعه الشارح أيضا على ذلك. وظاهر كلام السبكي أنه معطوف على قوله ثلاث مسحات: أي يجب ذلك. ومال إليه ابن النقيب، قال: لئلا يلزم أن التعميم سنة وهو واجب على الأصح اه. ويندفع بما تقدم. (ويسن الاستنجاء) بماء أو نحو حجر، (بيساره) للاتباع، ولأنها الأليق بذلك. ويكره باليمين لما روى مسلم عن سلمان الفارسي قال: نهانا رسول الله (ص) أن نستنجي باليمين. وقول المهذب والكافي أنه لا يجوز الاستنجاء باليمين للنهي الصريح فيه أوله المصنف بأن الاستنجاء يقع بما في اليمين لا باليد فلا معصية في الرخصة اه. أو يقال إن المراد لا يجوز جوازا مستوي الطرفين فيكره. ويسن تقديم القبل على الدبر في الاستنجاء بالماء عكس الاستنجاء بالحجر. ويسن أن لا يستعين بيمينه في شئ من الاستنجاء بغير عذر فيأخذ الحجر بيساره، بخلاف الماء فإنه يصبه بيمينه ويغسل بيساره، ويأخذ بها ذكره إن مسح البول على جدار أو حجر كبير أو نحوه، فإن كان الحجر صغيرا جعله بين عقبيه أو بين إبهامي رجليه، فإن لم يتمكن بشئ من ذلك وضعه في يمينه ويضع الذكر في موضعين وضعا لتنتقل البلة وفي الموضع الثالث مسحا ويحرك يساره وحدها، فإن حرك اليمين أو حركهما كان مستنجيا باليمين، وإنما لم يضع الحجر في يساره والذكر في يمينه، لأن مس الذكر بها مكروه. وشرط القاضي حسين أن لا يمسح ذكره في الجدار صعودا، قال في المجموع: وفي هذا التفصيل نظر اه. والظاهر أنه لا يشترط. وأما قبل المرأة فتأخذ الحجر بيسارها إن كان صغيرا وتمسحه ثلاثا، وإلا فحكمها حكم الرجل فيما مر. وتقدم أنه يسن للمستنجي بالحجر أن يضعه أولا على مكان طاهر قرب النجاسة وأن يديره برفق، فإن أمر الحجر ولم يدره ولم ينقل شيئا من الخارج أجزأه، فإن نقل ما لا ضرورة إليه تعين الماء.
وأما القدر المضرور إليه في ذلك فيعفى عنه. وأن ينظر إلى الحجر المستنجى به قبل رميه ليعلم هل قلع أو لا. وللمستنجى بالماء أن يدلك يده بنحو أرض ثم يغسلها بعد الاستنجاء، وأن ينضح بعده أيضا فرجه وإزاره من داخله دفعا للوسواس، وأن يعتمد في غسل الدبر على إصبعه الوسطى لأنه أمكن ولا يتعرض للباطن وهو ما لا يصل الماء إليه فإنه منبع الوسواس، لكن يستحب للبكر أن تدخل أصبعها في الثقب الذي في الفرج فتغسله. (ولا استنجاء لدود وبعر) بفتح العين، (بلا لوث) أي لا يجب الاستنجاء منه كما عبر به في المحرر، (في الأظهر) لفوات مقصود الاستنجاء من إزالة النجاسة أو تخفيفها. والثاني: يجب، لأن ذلك لا يخلو عن رطوبة خفيت. على الأول يستحب خروجا من الخلاف. وجمع بين الدود والبعر ليعلم أنه لا فرق بين الطاهر والنجس.
خاتمة: الواجب في الاستنجاء أن يغلب على ظنه زوال النجاسة ولا يضر شم ريحها بيده فلا يدل على بقائها على المحل وإن حكمنا على يده بالنجاسة، لأنا لم نتحقق أن محل الريح باطن الإصبع الذي كان ملاصقا للمحل، لاحتمال أنه كان في جوانبه فلا تنجس بالشك، أو أن هذا المحل قد خفف فيه في الاستنجاء بالحجر فخفف فيه هنا فاكتفى بغلبة ظن زوال النجاسة. وهل يسن شم اليد أو لا؟ وجهان مبنيان على أن رائحتها تدل على نجاسة المحل أو لا، إن قلنا تدل استحب وإلا فلا. ولا استنجاء من غير ما ذكر، فقد نقل المتولي وغيره الاجماع على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح.
قال ابن الرفعة: ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطبا أو يابسا. ولو قيل بوجوبه إذا كان المحل رطبا لم يبعد كما قيل به في دخان النجاسة، وهذا مردود، فقد قال الجرجاني: إن ذلك مكروه، وصرح الشيخ نصر المقدسي بتأثيم فاعله لأنه تنطع وعدو. والظاهر كلام الجرجاني. وقال في الاحياء: يقول بعد فراغ الاستنجاء: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.
(باب الوضوء) هو بضم الواو: اسم للفعل، وهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة، وهو المراد هنا. وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ