ذلك قد انتهى إلى الميقات على قصد النسك ثم جاوزه فكان مسيئا حقيقة، وهذا المعنى لم يوجد ههنا، فهو شبيه بمن أحرم قبل الميقات. والمراد بالسقوط عدم الوجوب كما مر. (وأفضل بقاع الحل) لمن يحرم بعمرة، (الجعرانة) لاحرامه (ص) منها، رواه الشيخان. وهي بإسكان العين وتخفيف الراء أفصح من كسر العين وتثقيل الراء وإن كان أكثر المحدثين على الثاني، ذكره في المجموع. وهي في طريق الطائف على ستة فراسخ من مكة.
فائدة: قال بعض العلماء: أحرم منها ثلاثمائة نبي عليهم الصلاة والسلام. (ثم التنعيم) لامره (ص) عائشة بالاعتمار منه، وهو الموضع الذي عند المساجد المعروفة بمساجد عائشة بينه وبين مكة فرسخ، فهو أقرب أطراف الحل إلى مكة، سمي بذلك لأن على يمينه جبلا يقال له نعيم، وعلى شماله جبلا يقال له ناعم، والوادي نعمان. (ثم الحديبية) لأنه (ص) هم بالاعتمار منها فصده الكفار، فقد فعله ثم أمره ثم همه، كذا قال الغزالي أنه هم بالاعتمار من الحديبية. قال في المجموع: والصواب أنه كان أحرم من ذي الحليفة إلا أنه هم بالدخول إلى مكة من الحديبية كما رواه البخاري. وهي بتخفيف الياء أفصح من تثقيلها، وهي اسم لبئر هناك بين طريق جدة وطريق المدينة بين جبلين على ستة فراسخ من مكة. فإن قيل: لم أمر (ص) عائشة بالاحرام من التنعيم مع أن الجعرانة أفضل؟ أجيب بأن ذلك كان لضيق الوقت أو لبيان الجواز من أدنى الحل. وقد علم مما تقدم أن التفضيل ليس لبعد المسافة.
خاتمة: يسن لمن أحرم من بلده أو من مكة أن يخرج عقب إحرامه ولا يمكث بعده، نقله الشيخ أبو حامد عن النص.
ويسن لمن لم يحرم من أحد هذه الثلاثة أن يجعل بينه وبين الحرم بطن واد ثم يحرم كما في التتمة وغيرها، وحكاه في الإنابة عن الشافعي رضي الله تعالى عنه.
باب الاحرام وهو كما قال الأزهري: الدخول في حج أو عمرة أو فيهما أو فيما يصلح لهما ولأحدهما وهو المطلق، ويطلق أيضا على نية الدخول فيما ذكر، ومنه قول المصنف بعد هذا: أركان الحج خمسة: الاحرام فالمراد هنا هو القسم الأول وهو الدخول فيما ذكر، أي بالنية. وكان الشيخ عز الدين يستشكل حقيقة الاحرام، فإن قيل له إنه النية اعترض بأنها شرط فيه، وشرط الشئ غيره. وقال القرافي: أقمت عشر سنين لا أعرف حقيقة الاحرام، وسمي بذلك إما لاقتضائه دخول الحرم من قولهم: أحرم إذا دخل الحرم، كأنجد إذا دخل نجدا، أو لاقتضائه تحريم الأنواع الآتية. (ينعقد) الاحرام (معينا بأن ينوي حجا أو عمرة أو كليهما) بالاجماع، ولما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
خرجنا مع رسول الله (ص) فقال: من أراد أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل. ولو نوى حجتين أو نصف حجة انعقد حجة، أو عمرتين أو نصف عمرة انعقد عمرة، قياسا على الطلاق في مسألتي النصف والفاء للإضافة إلى ثنتين في مسألتي الحجتين والعمرتين: لتعذر الجمع بينهما بإحرام واحد، فصح في واحدة كما لو نوى بتيمم فريضتين لا يستبيح به إلا واحدة كما مر في بابه. وفارق عدم الانعقاد في نظيرهما من الصلاة بأن الاحرام يحافظ عليه ما أمكن، ولهذا لو أحرم بالحج في غير أشهره انعقد عمرة كما مر. (و) ينعقد أيضا (مطلقا) وذلك (بأن لا يزيد على نفس الاحرام) بأن ينوي الدخول في النسك الصالح للأنواع الثلاثة، أو يقتصر على قوله:
أحرمت. وروى الشافعي رضي الله تعالى عنه: أنه (ص) خرج هو وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء، أي نزول