الموحدة إن خالط نجاسة جامدة كالروث لم يطهر وإن طبخ بأن صار آجرا، لعين النجاسة. وإن خالطه غيرها كالبول طهر ظاهره بالغسل، وكذا باطنه إن نقع في الماء ولو مطبوخا إن كان رخوا يصله الماء كالعجين، أو مدقوقا بحيث يصير ترابا ولو سقيت سكين أو طبخ لحم بماء نجس كفى غسلهما، ولا يحتاج إلى سقي السكين وإغلاء اللحم بالماء ولا إلى عصره على الأصح. فإن قيل: لما اكتفي بغسل ظاهر السكين ولم يكتف بذلك في الآجر؟ أجيب بأنه إنما لم يكتف بالماء في الآجر لأن الانتفاع به متأت من غير ملابسة له، فلا حاجة للحكم بطهارة باطنه من غير إيصال الماء إليه بخلاف السكين. ويطهر الزئبق المتنجس بغسل ظاهره إن لم يتخلل بين تنجسه وغسله تقطع وإلا لم يطهر كالدهن، لأنه لا ينقطع عند ملاقاة الماء على الوجه الذي يتقطع عند إصابة النجاسة، ولا ينجس إلا بتوسط رطوبة لأنه جاف، فلو وقع فيه فأرة فماتت ولا رطوبة لم ينجس. قاله ابن القطان: ويكفي غسل موضع نجاسة وقعت على ثوب ولو عقب عصره ولا يجب غسل جميعه، وكذا لو صب ماء على مكانها وانتشر حولها فلا يحكم بنجاسة محل الانتشار لأن الماء الوارد على النجاسة طهور ما لم يتغير ولم ينفصل لقوته لكونه فاعلا، فإن تغير تنجس كما مر، وإذا كان طهورا فيما ذكر، فإذا أداره في الاناء طهر. (ولو نجس مائع) غير الماء ولو دهنا، (تعذر تطهيره) إذ لا يأتي الماء على كله لأنه بطبعه يمنع إصابة الماء. (وقيل:
يطهر الدهن بغسله) قياسا على الثوب النجس. وكيفية تطهيره كما ذكره في المجموع أن يصب الماء عليه ويكاثره ثم يحركه بخشبة ونحوها بحيث يظن وصوله لجميعه ثم يترك ليعلو ثم يثقب أسفله، فإذا خرج الماء سد. قال في الكفاية: ومحل الخلاف فيما إذا تنجس الدهن بما لا دهنية فيه كالبول، فإن تنجس بما له دهنية كودك الميتة لم يطهر بلا خلاف. ودليل الأول خبر أبي داود وغيره: أنه (ص) سئل عن الفأرة تموت في السمن، فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه وفي رواية للخطابي: فأريقوه. فلو أمكن تطهيره شرعا لم يقل فيه ذلك لما فيه من إضاعة المال. والجامد هو الذي إذا أخذ منه قطعة لا يتراد من الباقي ما يملا محلها عن قرب، والمائع بخلافه، ذكره في المجموع.
خاتمة: يندب أن يغسل غسلتين بعد الغسلة المزيلة لعين النجاسة لتكمل الثلاث، فإن المزيلة للنجاسة واحدة وإن تعددت كما مر في غسلات الكلب، لاستحباب ذلك عند الشك في النجاسة في حديث: إذا استيقظ أحدكم من نومه فعند تحققها أولى. وشمل في ذلك المغلظة، وبه صرح صاحب الشامل الصغير، فيندب مرتان بعد طهرها. وقال الجبلي في بحر الفتاوى في نشر الحاوي: لا يندب ذلك لأن المكبر لا يكبر كما أن المصغر لا يصغر، أي فتثلث النجاسة المخففة دون المغلظة، وهذا أوجه. وعلم مما تقرر أن النجاسة لا يشترط في إزالتها نية بخلاف طهارة الحدث، لأنها عبادة كسائر العبادات، وهذا من باب التروك كترك الزنا والغصب. وإنما وجبت في الصوم مع أنه من باب التروك لأنه لما كان مقصودا لقمع الشهوة ومخالفة الهوى التحق بالفعل. ويجب أن يبادر بغسل المتنجس عاص بالتنجيس كأن استعمل النجاسة في بدنه بغير عذر خروجا من المعصية، وإن لم يكن عاصيا به فلنحو الصلاة، ويندب أن يعجل به فيما عدا ذلك. وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين المغلظة وغيرها، وهو كذلك، وإن قال الزركشي ينبغي وجوب المبادرة بالمغلظة مطلقا، قال الأسنوي: والعاصي بالجنابة يحتمل إلحاقه بالعاصي بالتنجيس والمتجه خلافه، لأن الذي عصى به هنا متلبس به بخلافه، ثم وإذا غسل فمه المتنجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما في حد الظاهر، ولا يبلع طعاما ولا شرابا قبل غسله لئلا يكون آكلا للنجاسة، نقله في المجموع عن الشيخ أبي محمد الجويني وأقره. ويغسل من رشاش غسلات الكلبية ستا إن أصابته في الأولى وإلا فالباقي من السبع، والمراد بغسلات النجاسة ما استعمل في واجب الإزالة، أما المستعمل في مندوبها فطهور، وما غسل به نجاسة معفو عنها كقليل الدم فالظاهر، كما قال ابن النقيب، أنه كغسالة الواجب.
باب التيمم هو لغة: القصد، يقال: تيممت فلانا ويممته وتأممته وأممته: أي قصدته، ومنه قوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه