الكلام، وأن يدخل وقت الخلوة أو يتكلف إخلاء الحمام إن قدر على ذلك، فإنه وإن لم يكن فيه إلا أهل الدين فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شوب من قلة الحياء، وأن يستغفر الله تعالى ويصلي ركعتين بعد خروجه منه، فقد كانوا يقولون:
يوم الحمام يوم إثم. ويكره دخوله قبيل الغروب وبين العشاءين لأنه وقت انتشار الشياطين، وللصائم. ومن جهة الطب صب الماء البارد على الرأس وشربه عند خروجه منه، ولا بأس بدلك غيره إلا عورة أو مظنة شهوة. قال في المجموع: ولا بأس بقوله لغيره: عافاك الله، ولا بالمصافحة. ويسن لمن يخالط الناس التنظف بالسواك وإزالة شعر وريح كريهة وحسن الأدب معهم.
باب النجاسة:
وفي الباب إزالتها، ولو ذكره في الترجمة أو اقتصر عليه كما في التنبيه لكان أولى لأنه اللائق بكتاب الطهارة. وإزالة النجاسة متوقفة على معرفة النجاسة فتذكر تبعا، وهي لغة كل ما يستقذر، وشرعا: مستقذر يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص. وعرفها بعضهم بكل عين حرم تناولها مطلقا في حالة الاختيار مع سهولة تمييزها وإمكان تناولها لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن أو عقل، فاحترز بمطلقا عما يباح قليله كبعض النباتات السمية، وبحالة الاختيار عن حالة الضرورة فيباح فيها تناول النجاسة، وبسهولة تمييزها عن دود الفاكهة ونحوها فيباح تناوله معها، وهذان القيدان للادخال لا للاخراج، وبإمكان تناولها عن الأشياء الصلبة كالحجر، وبالبقية عن الآدمي وعن المخاط ونحوه، وعن الحشيشة المسكرة والسم الذي يضر قليله وكثيره والتراب فإنه لم يحرم تناولها لنجاستها، بل حرمة الآدمي واستقذار المخاط ونحوه وضرر البقية. قال الزركشي: واعلم أن الاخراج بعدم الاستقذار مضر، فإنه وإن أخرج المخاط ونحوه فإنه يخرج غالب النجاسات من العذرة والبول والقئ والقيح ونحو ذلك، فإنها مستقذرة وحرمت لاستقذارها وكلها نجسة. وعرفها المصنف كأصله بالعد فقال: (هي كل مسكر مائع) لكن ظاهره حصرها فيما عده، وليس مرادا، لأن منها أشياء لم يذكرها وسأنبه على بعضها، فلو ذكر لها ضابطا إجماليا كما تقدم لكان أولى، بل قال ابن النقيب: فيما ذكره تجوز لأن النجاسة حكم شرعي فكيف تفسر بالأعيان بل ما ذكر حد للنجس لا للنجاسة اه. وشملت عبارة المصنف الخمر، وهي المتخذة من ماء العنب ولو محترمة وبباطن عنقود ومثلثة وهي المغلي من ماء العنب حتى صار على الثلث، والنبيذ: وهو المتخذ من ماء الزبيب أو نحوه. أما الخمر فلقوله تعالى: * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس) * والرجس في عرف الشرع هو النجس صد عما عداها الاجماع فبقيت هي. واستدل على نجاستها الشيخ أبو حامد بالاجماع. وحمل على إجماع الصحابة، ففي المجموع عن ربيعة شيخ مالك أنه ذهب إلى طهارتها، ونقله بعضهم عن الحسن والليث. واستدل بعضهم على نجاستها بأنها لو كانت طاهرة لفات الامتنان بكون شراب الآخرة طهورا. وقد قال تعالى: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) *، أي طاهرا، وعبر بطهورا للمبالغة في طهارته بخلاف خمر الدنيا. وأما النبيذ فبالقياس على الخمر مع التنفير عن المسكر، وخالف في ذلك أبو حنيفة، ودليلنا ما ذكر. والخمر المحترمة قالا في الغصب: هي ما عصرت لا بقصد الخمرية، وفي الرهن: ما عصرت بقصد الخلية، والأول أوجه وأعم. والخمر مؤنثة وتذكيرها لغة ضعيفة وتلحقها التاء على قلة. والتقييد بالمائع من زيادته ذكر بغير تمييز، وخرج به البنج ونحوه من الحشيش المسكر فإنه ليس بنجس وإن كان حراما، قاله في الدقائق. فإن قيل:
كان ينبغي للمصنف أن يقيدها بالأصالة لئلا يرد عليه الخمر إذا جمدت والحشيشة إذا أذيبت. أجيب بأن الخمر مائعة في الأصل وقد حكم بنجاستها وهي مائعة ولم يحدث ما يطهرها بخلاف الحشيش المذاب.
فائدة: قال بعض المتعنتين: إن الكشك نجس لأنه يتخمر كالبوظة، ثم قال: وهل يكون جفافه كالتخلل في الخمر فيطهر أو يكون كالخمر المعقودة فلا يطهر؟ قال شيخي: لا اعتبار بقول هذا القائل، فإنه لو فرض أنه صار مسكرا لكان طاهرا لأنه ليس بمائع اه. ويؤخذ منه أن البوظة طاهرة، وهو كذلك. فإن قيل: كان ينبغي للمصنف أن يقول مسكر الجنس