بل تعتبر مدتها وحدها، ذكره في المجموع وقال فيه: لو خرجوا وأقاموا بمكان ينتظرون رفقتهم، فإن نووا أنهم إن أتوا سافروا أجمعين وإلا رجعوا ولم يقصروا لعدم جزمهم بالسفر، وإن نووا أنهم إن لم يأتوا سافروا وقصروا لجزمهم بالسفر. وما رجحه من أن القصر إلى ثمانية عشر يوما يطرد في باقي الرخص كالجمع والفطر، ويدل له تعبير الوجيز بالترخص، وقال الزركشي: الصواب أنه يباح له سائر الرخص لأن السفر منسحب عليه. نعم يستثنى من ذلك توجه القبلة في النافلة لما عرف في بابها، واستثنى بعضهم أيضا سقوط الفرض بالتيمم ولا حاجة إليه، لأن العبرة أن يكون بموضع يغلب فيه فقد الماء، إذ لا فرق بين أن يكون مسافرا أو مقيما كما علم من باب التيمم. (ولو علم) المسافر (بقاءها) أي حاجته (مدة طويلة) وهي الأربعة المذكورة وما زاد عليها كأن كان يعلم أنه لا يتنجز شغله إلا في خمسة أيام، (فلا قصر) له (على المذهب) لأنه ساكن مطمئن بعيد عن هيئة المسافرين، بخلاف المتوقع للحاجة في كل وقت ليرحل، ووجه القصر القياس على عدم انعقاد الجمعة به.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق في جريان الخلاف بين المحارب وغيره، والمعروف في غير المحارب الجزم بالمنع، وحكاية الخلاف فيه غلط كما قاله في الروضة.
فصل: في شروط القصر وما يذكر معه. أما شروطه فثمانية: أحدها: أن يكون السفر طويلا. (وطويل السفر) بالاميال (ثمانية وأربعون ميلا هاشمية) لأن ابن عمر وابن عباس كانا يقصران ويفطران في أربعة برد فما فوقها ولا يعرف لهما مخالف، وأسنده البيهقي بسند صحيح. قال الخطابي: ومثل هذا لا يكون إلا عن توقيف، وعلقه البخاري بصيغة الجزم. ويشترط أن تكون هذه المسافة غير الإياب، فلو قصد مكانا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه فلا قصر له ذهابا ولا إيابا وإن نالته مشقة مرحلتين، وهي تحديد لا تقريب لثبوت التقدير بالاميال عن الصحابة، ولان القصر على خلاف الأصل، فيحتاط فيه بتحقق تقدير المسافة ولو ظنا بخلاف تقديري القلتين ومسافة الإمام والمأموم كما مرت الإشارة إليه في كتاب الطهارة، لأن تقدير الأميال ثابت عن الصحابة، بخلاف تقدير القلتين فإنه لا توقيف في تقديرهما بالأرطال، وكذا مسافة الإمام والمأموم لا تقدير فيها بالأذرع، فلذا كان الأصح فيهما التقريب.
والأربعة برد: ستة عشر فرسخا، والفرسخ: ثلاثة أميال، والميل: أربعة آلاف خطوة، والخطوة: ثلاثة أقدام، والقدمان: ذراع، والذراع: أربعة وعشرون أصبعا معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون. وهاشمية: نسبة إلى بني هاشم لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لها، لا إلى هاشم جد النبي (ص) كما وقع للرافعي.
تنبيه: ما ذكره المصنف من أن الأميال ثمانية وأربعون ميلا هو الشائع، ونص عليه الشافعي، ونص أيضا على أنها ستة وأربعون وعلى أنها أربعون، ولا منافاة فإنه أراد بالأول الجميع، وبالثاني غير الأول والأخير، وبالثالث الأميال الأموية الخارجة بقوله هاشمية، وهي المنسوبة لبني أمية، فالمسافة عندهم أربعون ميلا، إذ كل خمسة منها قدر ستة هاشمية، قلت: كما قال الرافعي في الشرح. (وهو) أي السفر الطويل (مرحلتان) وهما سير يومين بلا ليلة معتدلين، أو ليلتين بلا يوم معتدلتين، أو يوم وليلة كذلك، (بسير الأثقال) أي الحيوانات المثقلة بالأحمال، ودبيب الاقدام على العادة المعتادة من النزول والاستراحة والاكل والصلاة ونحوها لأن ذلك مقدار أربعة برد. (والبحر) في اعتبار المسافة المذكورة (كالبر) فيقصر فيه، (فلو قطع الأميال فيه في ساعة) مثلا لشدة جري السفينة بالهواء أو نحوه، (قصر) فيها لأنها مسافة صالحة للقصر فلا يؤثر قطعها في زمن يسير، (والله أعلم) كما يقصر لو قطع المسافة في البر