خاتمة: يندب إدامة الوضوء، ويسن لقراءة القرآن أو سماعه، أو الحديث أو سماعه أو روايته، أو حمل كتب التفسير، أو الحديث أو الفقه وكتابتها فيكره مع الحدث، ولقراءة علم شرعي وإقرائه، ولأذان وجلوس في مسجد أو دخوله، وللوقوف بعرفة وللسعي، ولزيارة قبر الرسول (ص) أو غيره، ولنوم ويقظة وعند أكل وشرب لنحو جنب كحائض بعد انقطاع حيضها ووطئ الجنب، قال (ص): إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا رواه مسلم، وزاد البيهقي: فإنه أنشط للعود. وفي الصحيحين: كان (ص) إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة، وكان (ص) إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة. وقيس بالجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما، وبالأكل والشرب، والحكمة في ذلك تخفيف الحدث غالبا والتنظيف، وقيل: لعله ينشط للغسل. فلو فعل شيئا من ذلك بلا وضوء كره له، نقله في شرح مسلم عن الأصحاب، قال: وأما طوافه (ص) على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه كان يتوضأ بينهما أو تركه بيانا للجواز. ويسن من مس ميت وحمله، أو من فصد وحجم وقئ، أو أكل لحم جزور، وقهقهة مصل وكل مس ولمس أو نوم اختلف في نقضه للوضوء، ومن لمس الرجل والمرأة بدن الخنثى أو أحد قبلية، وعند الغضب وكل كلمة قبيحة، ولمن قص شاربه أو حلق رأسه، ولخطبة غير الجمعة.
والمراد بالوضوء الوضوء الشرعي لا اللغوي. ولا يندب للبس ثوب وصوم وعقد نكاح وخروج لسفر ولقاء قادم وزيارة والد وصديق وعيادة مريض وتشييع جنازة وأكل وشرب لغير نحو جنب، ولا لدخول سوق ولا لدخول على نحو أمير، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذه الأمور، وكلما كرر الشئ حلا، وازداد وضوحا وانجلى.
باب مسح الخف لما كان الواجب في الوضوء غسل الرجلين والمسح بدل عنه عقب به باب الوضوء ولم يبوب له في المحرر، وذكره الرافعي عقب التيمم لأنهما مسحان يبيحان الصلاة، ولو عبر كالتنبيه بالخفين لكان أولى، إذ لا يجوز غسل رجل ومسح أخرى، ولكنه أراد الجنس لا التوحيد، وأخباره كثيرة، كخبر ابني خزيمة وحبان في صحيحيهما عن أبي بكرة: أنه (ص) أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما، وعن جرير بن عبد الله البجلي أنه قال: رأيت رسول الله (ص) بال ثم توضأ ومسح على خفيه متفق عليه. وقال الترمذي: وكان يعجبهم - يعني أصحاب عبد الله، حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة، لأنها نزلت سنة ست، فلا يكون الامر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخا للمسح كما صار إليه بعض الصحابة. وروى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: حدثني سبعون من الصحابة أن النبي (ص) مسح على الخفين. وقال بعض المفسرين: إن قراءة الجر في قوله تعالى: * (وأرجلكم) * للمسح على الخف.
ثم النظر في شرطه وكيفيته وحكمه، وقد أخذ في بيانها فقال: (يجوز) المسح على الخفين لا على خف رجل مع غسل أخرى كما مر لو مر ولو في الخف، كما بحثه الأسنوي. وللأقطع لبس خف في السالمة، إلا إن بقي بعض المقطوعة فلا يكفي ذلك حتى يلبس ذلك البعض خفا. ولو كانت إحدى رجليه عليلة بحيث لا يجب غسلها لم يجز إلباس الأخرى الخف ليمسح عليه إذ يجب التيمم عن العليلة فهي كالصحيحة. وإنما يجوز المسح (في الوضوء) بدلا عن غسل الرجلين، فالواجب على لابسه الغسل أو المسح. وأشار ب يجوز إلى أنه لا يجب ولا يسن ولا يحرم ولا يكره، وإلى أن الغسل أفضل كما قاله في الروضة في آخر صلاة المسافر. نعم إن ترك المسح رغبة عن السنة أو شكا في جوازه، أي لم تطمئن نفسه إليه، لأنه شك هل يجوز له فعله أو لا، أو خاف فوت الجماعة أو عرفة أو إنقاذ أسير أو نحو ذلك، فالمسح أفضل، بل يكره تركه في الأولى، وكذا القول في سائر الرخص، واللائق في الأخيرتين الوجوب كما بحثه الأسنوي. ولو كان لابس الخف بشرطه محدثا ودخل الوقت وعنده ما يكفي المسح فقط، فعن الروياني وجوبه. وتفقهه ابن الرفعة - وهو فقه حسن - بخلاف ما لو أرهقه الحدث وهو متطهر ومعه ما يكفيه لو