والأفضل أن يجمع بينهما بأن يحمل تارة بهيئة الحمل بين العمودين وتارة بهيئة التربيع. ثم بين حملها بين العمودين بقوله: (وهو أن يضع الخشبتين المتقدمتين) أي العمودين (على عاتقه) وهو ما بين المنكب والعنق، وهو مذكر وقيل مؤنث. (ورأسه بينهما، ويحمل) الخشبتين (المؤخرتين رجلان) أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر، وإنما كان المؤخرتان لرجلين لأن الواحد لو توسطهما كان وجهه إلى الميت فلا ينظر إلى الطريق وإن وضع الميت على رأسه لم يكن حاملا بين العمودين ويؤدي إلى ارتفاع مؤخرة النعش وتنكيس الميت على رأسه، فإن عجز عن الحمل أعانه اثنان بالعمودين ويأخذ اثنان بالمؤخرتين في حالتي العجز وعدمه، فحاملوه بلا عجز ثلاثة وبه خمسة فإن عجزوا فسبعة أو أكثر وترا بحسب الحاجة أخذا من كلامهم. ثم بين حملها على هيئة التربيع فقال: (والتربيع أن يتقدم رجلان) يضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الأيسر والآخر عكسه، (ويتأخر آخران) يحملان كذلك فيكون الحاملون أربعة، ولهذا سميت الكيفية بالتربيع. فإن عجز الأربعة عنها حملها ستة أو ثمانية، وما زاد على الأربعة يحمل من جوانب السرير أو يزاد أعمدة معترضة تحت الجنازة كما فعل ب عبد الله بن عمر فإنه كان جسيما. وأما الصغير فإن حمله واحد جاز إذ لا ازدراء فيه. ومن أراد التبرك بالحمل بالهيئة بين العمودين بدأ بحمل العمودين من مقدمها على كتفيه، ثم بالأيسر من مؤخرها، ثم يتقدم لئلا يمشي خلفها، فيأخذ الأيمن المؤخر، أو بهيئة التربيع بدأ بالعمود الأيسر من مقدمها على عاتقه الأيمن ثم بالأيسر من مؤخرها كذلك، ثم يتقدم لئلا يمشي خلفها فيبدأ بالأيمن من مقدمها على عاتقه الأيسر ثم من مؤخرها كذلك، أو بالهيئتين فيما أتى به في الثانية ويحمل المقدم على كتفيه مؤخرا أو مقدما كما بحثه بعضهم. (والمشي) للمشيع لها وكونه (أمامها) أفضل للاتباع، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ولأنه شفيع وحق الشفيع أن يتقدم. وأما خبر: امشوا خلف الجنازة فضعيف. وكونه (بقربها) وهو من زيادته على المحرر بحيث يراها إذا التفت إليها، (أفضل) منه بعيدا بأن لا يراها لكثرة الماشين معها. قال في المجموع: فإن بعد عنها فإن كان بحيث ينسب إليها بأن يكون التابعون كثيرين حصلت الفضيلة وإلا فلا. وإطلاق المصنف يقتضي أنه لا فرق في استحباب التقدم والتأخر بين الراكب والماشي، وهو ما صرحا به في الشرحين والروضة ونسبه في المجموع إلى الشافعي والأصحاب. وما ذكره الرافعي في شرح المسند من أن الراكب يكون خلفها بالاتفاق تبع فيه الخطابي، قال الأسنوي: وهو خطأ. ولو مشى خلفها حصل له فضيلة أصل المتابعة وفاته كمالها، ولو تقدم إلى المقبرة لم يكره، ثم هو بالخيار إن شاء قام حتى توضع الجنازة وإن شاء قعد. ويكره ركوبه في ذهابه معها لما روى الترمذي أنه (ص) رأى ناسا ركابا في جنازة فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب هذا إن لم يكن له عذر كمرض فلا، ولا كراهة في الركوب في العود. (ويسرع بها) ندبا لخبر الصحيحين: أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم.
هذا (إن لم يخف تغيره) أي الميت بالاسراع وإلا فيتأنى به. والاسراع فوق المشي المعتاد ودون الخبب لئلا تنقطع الضعفاء، فإن خيف تغيره بالتأني زيد في الاسراع. ويكره القيام للجنازة إذا مرت به ولم يرد الذهاب معها كما صرح به في الروضة وجرى عليه ابن المقري، خلافا لما جرى عليه المتولي من الاستحباب. قال في المجموع: قال البندنيجي: يستحب: لمن مرت به جنازة أن يدعو لها ويثني عليها إذا كانت أهلا لذلك، وأن يقول: سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الملك القدوس. وروي عن أنس أنه (ص) قال: من رأى جنازة فقال: الله أكبر صدق الله ورسوله، هذا ما وعد الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما، كتب له عشرون حسنة.
فصل: في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد، وهي من خصائص هذه الأمة كما قاله الفاكهاني المالكي في شرح الرسالة. قال: وكذا الايصاء بالثلث. (لصلاته أركان) سبعة: (أحدها النية) كسائر الصلوات، وتقدم الكلام