لما مر أن شرطه العفة والكمال. (ولو استشهد جنب) أو نحوه كحائض، (فالأصح أنه لا يغسل) كغيره، لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب ولم يغسله النبي (ص) وقال: رأيت الملائكة تغسله رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما، فلو كان واجبا لم يسقط إلا بفعلنا، ولأنه طهر عن حدث فسقط بالشهادة كغسل الميت فيحرم، إذ لا قائل بغير الوجوب والتحريم، ولهذا قال في المجموع: يحرم غسله لأنها طهارة حدث فلم تجز كغسل الميت. والثاني: يغسل، لأن الشهادة إنما تؤثر في غسل وجب بالموت، وهذا الغسل كان واجبا قبله. وأجاب الأول بأنه سقط به كغسل الموت كما مر، ولا يصلى عليه على الوجهين. (و) الأصح (أنه) أي الشهيد، (تزال) حتما (نجاسته) بغسلها، (غير الدم) المتعلق بالشهادة، وإن أدى ذلك إلى زوال دمها، لأن النجاسة ليست من أثر الشهادة، بخلاف دمها الخالي عن النجاسة فتحرم إزالته لأنا نهينا عن غسل الشهيد ولأنه أثر عبادة. وإنما لم تحرم إزالة الخلوف من الصائم مع أنه أثر عبادة لأنه هو المفوت على نفسه بخلافه هنا، حتى لو فرض أن غيره أزاله بغير إذنه حرم عليه ذلك، وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الوضوء.
والثاني: لا تزال، لاطلاق النهي عن غسل الشهيد. والثالث: إن أدى غسلها إلى إزالة أثر الشهادة لم تزل وإلا أزيلت. (ويكفن) الشهيد ندبا، (في ثيابه الملطخة بالدم) لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر قال: رمي رجل بسهم في صدره أو حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع النبي (ص). والمراد ثيابه التي مات فيها واعتيد لبسها غالبا وإن لم تكن ملطخة بالدم، لكن الملطخة بالدم أولى، ذكره في المجموع. فالتقييد في كلام المصنف كأصله بالملطخة لبيان الأكمل. وعلم بالتقييد بندبا أنه لا يجب تكفينه فيها كسائر الموتى، وفارق الغسل بإبقاء أثر الشهادة على البدن والصلاة عليه بإكرامه والاشعار باستغنائه عن الدعاء. (فإن لم يكن ثوبه سابغا) أي ساترا لجميع بدنه. (تمم) وجوبا، لأنه حق للميت كما تقدم مرارا. وقول بعض المتأخرين: تمم ندبا لأن الواجب ستر العورة ممنوع لما مر غير مرة. ولو أراد الورثة نزعها وتكفينه من غيرها جاز، سواء أكان عليها أثر شهادة أم لا، إذ لا يجب تكفينه فيها كسائر الموتى. ولو طلب بعض الورثة النزع وامتنع بعضهم، أجيب الممتنع في أحد احتمالين يظهر ترجيحه. ويندب نزع آلة الحرب عنه كدرع وخف وكل ما لا يعتاد لبسه غالبا كجلد وفروة وجبة محشوة، وفي أبي داود في قتلى أحد الامر بنزع الحديد والجلود ودفنهم بدمائهم وثيابهم.
فصل: في دفن الميت وما يتعلق به: (أقل القبر حفرة تمنع) بعد ردمها (الرائحة) أن تظهر منه فتؤذي الحي.
(و) تمنع (السبع) عن نبش تلك الحفرة لاكل الميت، لأن الحكمة في وجوب الدفن عدم انتهاك حرمته بانتشار رائحته واستقذار جيفته وأكل السباع له، وبهذا يندفع ذلك. قال الرافعي: والغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين بيان فائدة الدفن، وإلا فبيان وجوب رعايتهما، فلا يكفي أحدهما. والظاهر كما قال شيخنا أنهما ليسا بمتلازمين كالفساقي التي لا تكتم رائحة مع منعها الوحش فلا يكفي الدفن فيها. وقال السبكي: في الاكتفاء بالفساقي نظر لأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعا. قال وقد أطلقوا تحريم إدخال ميت على ميت لما فيه من هتك حرمة الأول وظهور رائحته فيجب إنكار ذلك وقال بعض شراح هذا الكتاب: إنه لا يكفي الدفن فيما يصنع الآن ببلاد مصر والشام وغيرهما من عقد أزج واسع أو مقتصد شبه بيت لمخالفته الخبر وإجماع السلف، وحقيقة بيت تحت الأرض فهو كوضعه في غار ونحوه ويسد بابه اه. وهذا ظاهر لأنه ليس بدفن كما أشار إلى ذلك ابن الصلاح والأذرعي وغيرهما. واحترز بالحفرة عما إذا وضع الميت على وجه الأرض ووضع عليه أحجار كثيرة أو تراب أو نحو ذلك مما يكتم رائحته ويحرسه عن أكل السباع، فلا يكفي ذلك إلا إن تعذر الحفر لأنه ليس بدفن. (ويندب أن يوسع) بأن يزاد في طوله وعرضه، (ويعمق) بأن يزاد في نزوله، لقوله (ص) في قتلى أحد: احفروا وأوسعوا وأعمقوا رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وعبارة المجموع كالجمهور: يستحب