ففوته الصوم كفارة لزمته قبل النذر ولا يلزمه القضاء. ولو خرج لإقامة حد ثبت عليه بالبينة لم ينقطع تتابعه، بخلاف ما إذا ثبت بإقراره. ولو خرجت المعتكفة لقضاء عدة لا بسببها ولا في مدة إذن زوجها لها في الاعتكاف لم ينقطع التتابع وإن كانت مختارة لنكاح، لأن النكاح لا يباشر للعدة بخلاف تحمل الشهادة إنما يكون للأداء كما مر. فإن كانت العدة بسببها كأن علق طلاقها بمشيئتها فقالت وهي معتكفة شئت، أو قدر زوجها مدة لاعتكافها فخرجت قبل تمامها، فإن تتابعها ينقطع. (ولا) ينقطع التتابع (بخروج المؤذن الراتب إلى منارة) - بفتح الميم - للمسجد، (منفصلة عن المسجد) قريبة منه، (للاذان في الأصح) لأنها مبنية له معدودة من توابعه، وقد اعتاد الراتب صعودها وألف الناس صوته، فيعذر فيه ويجعل زمن الاذان كالمستثنى من اعتكافه. والثاني: ينقطع مطلقا، للاستغناء عنها بسطح المسجد فيؤذن عليه.
والثالث: يجوز للراتب وغيره، لأنها مبنية للمسجد معدودة من توابعه. وعلى الأول لو خرج غير الراتب للاذان أو خرج الراتب لغيره أو له لكن إلى منارة ليست للمسجد أو له لكن بعيدة عنه انقطع التتابع. واحترز المصنف بالمنفصلة عن منارة بابها في المسجد أو في رحبته، فلا يضر صعودها مطلقا ولو كانت خارجة عن سمت البناء وتربيعه، وتكون حينئذ في حكم المسجد كمنارة مبنية في المسجد مالت إلى الشارع فيصح الاعتكاف فيها. وإن كان المعتكف في هواء الشارع ولو اتخذ للمسجد جناح إلى الشارع فاعتكف فيه إنسان لم يصح كما قاله بعض المتأخرين، خلافا للزركشي في قوله بالصحة.
وقضية التعليل أنها لو بنيت لغيره أنه لم يخرج لها قريبة كانت أو بعيدة، وهو كذلك. نعم إن بنيت لمسجد متصل بمسجد الاعتكاف جاز له الخروج إليها تبعا بناء على أن المساجد المتصلة حكمها حكم المسجد الواحد، وخرج بالقريبة البعيدة، فينقطع الخروج لها التتابع. ولم يتعرضوا لحد البعيدة، وضبطه بعضهم بأن تكون خارجة عن جوار المسجد، وجاره أربعون دارا من كل جانب. وقال بعض آخر: يحتمل ضبط البعيدة بما جاوز حريم المسجد. اه. والظاهر أن مرجع ذلك إلى العرف. (ويجب قضاء أوقات الخروج) من المسجد من نذر اعتكاف متتابع، (بالاعذار) السابقة التي لا ينقطع بها التتابع، كوقت أكل وحيض ونفاس واغتسال جنابة، لأنه غير معتكف فيها. (إلا أوقات قضاء الحاجة) ونحوها مما يطلب له الخروج ولم يطل زمنه عادة، كغسل جنابة وأذان راتب وأكل، فلا يجب قضاؤها لأنها مستثناة معتكف فيها، ولذا قال الأسنوي: اقتصار المصنف على استثناء قضاء الحاجة تبع فيه الرافعي، ولم أعلم أحدا قال بذلك بعد الفحص الشديد، بخلاف ما يطول زمنه كمرض وعدة، وتقدم أن الزمن المصروف إلى ما شرط من عارض في مدة معينة لا يجب تداركه.
خاتمة: لو أحرم المعتكف بالحق وخشي فوته قطع الاعتكاف ولم يبن بعد فراغه من الحق على اعتكافه الأول، فإن لم يخش فوته أتم اعتكافه ثم خرج لحجه، ولو نذر اعتكاف شهر بعينه فبان أنه انقضى قبل نذره لم يلزمه شئ، لأن اعتكاف شهر قد مضى محال. وهل الأفضل للمتطوع الخروج لعيادة المريض، أو دوام الاعتكاف؟ قال الأصحاب:
هما سواء، وقال ابن الصلاح: إن الخروج لها مخالف للسنة، لأن النبي (ص) لم يكن يخرج لذلك وكان اعتكافه تطوعا. وقال البلقيني: ينبغي أن يكون موضع التسوية في عيادة الأجانب. أما ذو الرحم والأقارب والأصدقاء والجيران فالظاهر أن الخروج لعيادتهم أفضل، لا سيما إذا علم أنه يشق عليهم، وعبارة القاضي الحسين مصرحة بذلك، وهذا هو الظاهر.
كتاب الحج بفتح أوله وكسره، لغة: القصد، كما قاله الجوهري. وقال الخليل: كثرة القصد إلى من يعظم. وشرعا: قصد الكعبة