رفع الصوت بقراءة القرآن إذا لم يخف رياء ولم يتأذ به أحد، وإلا فالاسرار أفضل. وهذا جمع بين الاخبار المقتضية لأفضلية الاسرار والاخبار المقتضية لأفضلية الرفع اه. ويقاس على ذلك من يجهر بالذكر أو القراءة بحضرة من يطالع أو يدرس أو يصنف كما أفتى به شيخي قال: ولا يخفى أن الحكم على كل من الاسرار والجهر بكونه سنة من حيث ذاته. واختلفوا في التوسط فقال بعضهم: يعرف بالمقايسة بين الجهر والاسرار كما أشار إليه بقوله تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك) * الآية. وقال بعض آخر: يجهر تارة ويسر أخرى كما ورد في فعله (ص) في صلاة الليل، والأول أولى. ويندب للإمام أن يسكت بعد تأمينه في الجهرية قدر قراءة المأموم الفاتحة، ويشتغل حينئذ بذكر أو دعاء أو قراءة سرا، وجزم به في المجموع، والقراءة أولى.
فائدة: السكتات المندوبة في الصلاة أربعة: سكتة بعد تكبيرة الاحرام يفتتح فيها، وسكتة بين ولا الضالين وآمين، وسكتة للإمام بين التأمين في الجهرية وبين قراءة السورة بقدر قراءة المأموم الفاتحة، وسكتة قبل تكبيرة الركوع. قال في المجموع: وتسمية كل من الأولى والثانية سكتة مجاز، فإنه لا يسكت حقيقة لما تقرر فيها. وعدها الزركشي خمسة: الثلاثة الأخيرة، وسكتة بين تكبيرة الاحرام والافتتاح والقراءة، وعليه لا مجاز إلا في سكتة الإمام بعد التأمين والمشهور الأول. (ويسن للصبح والظهر طوال المفصل) بكسر الطاء جمع، والمفرد طويل وطوال بضم الطاء وتخفيف الواو، فإذا أفرط في الطول شددتها. (وللعصر والعشاء أوساطه) وسنية هذا في الإمام مقيدة كما في المجموع وغيره برضا مأمومين محصورين. (وللمغرب قصاره) لخبر النسائي في ذلك. وظاهر كلام المصنف التسوية بين الصبح والظهر، ولكن المستحب أن يقرأ في الظهر قريب من الطوال كما في الروضة كأصلها. والحكمة في ذلك أن وقت الصبح طويل، والصلاة ركعتان فحسن تطويلهما، ووقت المغرب ضيق فحسن فيه القصار، وأوقات الظهر والعصر والعشاء طويلة لكن الصلوات أيضا طويلة، فلما تعارض ذلك رتب عليه التوسط في غير الظهر وفيها قريب من الطوال. واستثنى الشيخ أبو محمد في مختصره والغزالي في الخلاصة والاحياء صلاة الصبح في السفر، فالسنة فيها أن يقرأ في الأولى: * (قل يا أيها الكافرون) *، وفي الثانية الاخلاص. والمفصل المبين المميز، قال تعالى: * (كتاب فصلت آياته) * أي جعلت تفاصيل في معان مختلفة من وعد ووعيد وحلال وحرام وغير ذلك، وسمي بذلك لكثرة الفصول فيه بين السور، وقيل لقلة المنسوخ فيه. وآخره * (قل أعوذ برب الناس) *، وفي أوله عشرة أقوال للسلف، قيل: الصافات، وقيل: الجاثية، وقيل: القتال، وقيل: الفتح، وقيل: الحجرات، وقيل: قاف، وقيل: الصف، وقيل: تبارك، وقيل: سبح، وقيل: الضحى. ورجح المصنف في الدقائق والتحرير أنه الحجرات. وعلى هذا طواله كالحجرات واقتربت والرحمن، وأوساطه كالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وقصاره كالعصر وقل هو الله أحد. وقيل: طواله من الحجرات إلى عم، ومنها إلى الضحى أوساطه، ومنها إلى آخر القرآن قصاره.
فائدة: قال ابن عبد السلام: القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول كآية الكرسي وتبت، فالأول كلام الله في الله، والثاني كلام الله في غيره، فلا ينبغي أن يداوم على قراءة الفاضل ويترك المفضول لأن النبي (ص) لم يفعله، ولأنه يؤدي إلى هجران بعض القرآن ونسيانه. (ولصبح الجمعة في الأولى ألم تنزيل، وفي الثانية هل أتى) بكمالهما للاتباع رواه الشيخان. فإن ترك ألم في الأولى سن أن يأتي بها في الثانية، فإن اقتصر على بعضهما أو قرأ غيرهما خالف السنة.
قال الفارقي: ولو ضاق الوقت عنهما أتى بالممكن ولو آية السجدة وبعض * (هل أتى على الانسان) *، قال الأذرعي:
ولم أره لغيره. وعن أبي إسحاق وابن أبي هريرة: لا تستحب المداومة عليهما ليعرف أن ذلك غير واجب. وقيل للشيخ عماد الدين بن يونس: إن العامة صاروا يرون قراءة السجدة يوم الجمعة واجبة وينكرون على من تركها فقال: تقرأ في وقت وتترك في وقت فيعلمون أنها غير واجبة. (الخامس) من الأركان: (الركوع) لقوله تعالى: * (اركعوا) * ولخبر: