على الغالب من أن أكثر الصلوات الخمس لها تشهدان لقوله تعالى: * (صلوا عليه) * قالوا: وقد أجمع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها، والقائل بوجوبها مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله، ولحديث: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلخ، متفق عليه، وفي رواية:
كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: قولوا إلخ، رواها الدارقطني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط مسلم. والمناسب لها من الصلاة التشهد آخرها فتجب فيه، أي بعده، كما صرح به في المجموع. وقد صلى النبي (ص) على نفسه في الوتر كما رواه أبو عوانة في مسنده وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي ولم يخرجها شئ عن الوجوب، بخلافها في التشهد الأول لما مر فيه. وأما عدم ذكرها في خبر المسئ صلاته فمحمول على أنها كانت معلومة له، ولهذا لم يذكر له التشهد والجلوس له والنية والسلام. وإذا وجبت الصلاة عليه (ص) وجب القعود لها بالتبعية، ولا يؤخذ وجوب القعود لها من عبارة المصنف، فلو أخر القعود فقال: والقعود لهما كان أولى. (والأظهر سنها في الأول) أي الاتيان بها فيه، أي بعده تبعا له لأنها ذكر يجب في الأخير فيسن في الأول كالتشهد، والثاني: لا تسن فيه لبنائه على التخفيف. (ولا تسن) الصلاة (على الآل في) التشهد (الأول على الصحيح) لبنائه على التخفيف، والثاني: تسن فيه كالصلاة على النبي (ص) فيه إذ لا تطويل في قوله وآله أو آل محمد، وكذا اختاره الأذرعي. وقال المصنف في التنقيح: إن التفرقة بينهما فيها نظر، فينبغي أن يسنا جميعا أو لا يسنا، ولا يظهر فرق مع ثبوت الجمع بينهما في الأحاديث الصحيحة اه. والخلاف كما في الروضة وأصلها مبني على وجوبها في الأخير، فإن لم تجب فيه وهو الراجح كما سيأتي لم تسن في الأول جزما، وسيأتي تعريف الآل في كتاب قسم الصدقات إن شاء الله تعالى. وما رجحه المصنف من أن الخلاف وجهان رجحه في مجموعه، ورجح في الروضة أنه قولان. (وتسن في) التشهد (الآخر، وقيل تجب) فيه لقوله (ص) في الحديث السابق: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد والامر يقتضي الوجوب، ويجري الخلاف في الصلاة على إبراهيم (ص) كما حكاه في البيان عن صاحب الفروع (وأكمل التشهد مشهور) ورد فيه أحاديث صحيحة بألفاظ مختلفة، اختار الشافعي رضي الله تعالى عنه منها خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله (ص) يعلمنا التشهد فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله رواه مسلم على رواية ابن مسعود. وهي التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وعلى رواية عمر، وهي: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله الصلوات لله السلام عليك إلى قوله: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لزيادة المباركات فيه ولموافقة قوله تعالى: * (تحية من عند الله مباركة طيبة) * ولتأخره عن تشهد ابن مسعود. قال المصنف: وكلها مجزئة يتأدى بها الكمال، وأصحها خبر ابن مسعود ثم خبر ابن عباس وعلل بما ذكر، أي فالاختيار من حيث الأفضلية. (وأقله: التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله). قال في المجموع:
لورود إسقاط المباركات وما يليها في بعض الروايات. واعترض بأن إسقاط المباركات صحيح ثبت في الصحيحين، وأما الصلوات والطيبات فلم يرد إسقاطهما في شئ من التشهدات التي ذكرها، وصرح الرافعي بأن حذفهما لم يرد وعلل الجواز بكونهما تابعين للتحيات، وجعل الضابط في جواز الحذف: إما الاسقاط في رواية وإما التبعية. وقد يجاب بأنها قد تكون سقطت في غير الروايات التي ذكرها، وبأن الرافعي ناف والمصنف مثبت، والمثبت مقدم على النافي.