المخفف أساء وأجزأه كما قاله الماوردي والروياني. (ولو أبدل ضادا) منها، أي أتى بدلها، (بظاء لم تصح) قراءته لتلك الكلمة (في الأصح) لتغييره النظم واختلاف المعنى، فإن الضاد من الضلال والظاء من قولهم: ظل يفعل كذا ظلولا إذا فعله نهارا، وقياسا على باقي الحروف، والثاني: تصح لعسر التمييز بين الحرفين على كثير من الناس. والخلاف مخصوص بقادر لم يتعمد أو عاجز أمكنه التعلم فلم يتعلم، أما العاجز عن التعلم فتجزئه قطعا وهو أمي، والقادر المتعمد لا تجزئه قطعا.
ولو أبدل الضاد بغير الظاء لم تصح قراءته قطعا. ولو أبدل ذال الذين المعجمة بالمهملة لم تصح كما اقتضى إطلاق الرافعي وغيره الجزم به خلافا للزركشي ومن تبعه. ولو نطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف كما ينطق بها العرب صح مع الكراهة كما جزم به الروياني وغيره، وإن قال في المجموع فيه نظر. فإن قيل: كان الصواب أن يقول: ولو أبدل ظاء بضاد، إذ الباء مع الابدال تدخل على المتروك لا على المأتي به كما قال تعالى: * (ومن يتبدل الكفر بالايمان) * وقال تعالى: * (وبدلناهم بجنتيهم جنتين) *. أجيب بأن الباء في التبديل والابدال إذا اقتصر فيهما على المتقابلين ودخلت على أحدهما إنما تدخل على المأخوذ لا على المتروك، فقد نقل الأزهري عن ثعلب: بدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلها خاتما، وأبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه. قال السبكي بعد نقله بعض ذلك عن الواحدي عن ثعلب عن الفراء: ورأيت في شعر الطفيل بن عمرو الدوسي لما أسلم في زمن النبي (ص):
فألهمني هداي الله عنه وبدل طالعي نحسي بسعدي ومنشأ الاعتراض توهم أن الابدال المساوي للتبديل كالاستبدال والتبدل، فإن ذينك تدخل الباء فيهما على المتروك .
قال شيخنا: وبذلك علم فساد ما اعترض به على الفقهاء من أن ذلك لا يجوز، بل يلزم دخولها على المتروك. (ويجب ترتيبها) بأن يأتي بها على نظمها المعروف لأنه مناط البلاغة والاعجاز، فلو بدأ بنصفها الثاني مثلا ثم أتى بالنصف الأول لم يعتد بالنصف الثاني ويبني على الأول إن سها بتأخيره ولم يطل الفصل، ويستأنف إن تعمد ولم يغير المعنى أو طال الفصل بين فراغه من النصف الأول وتذكره، فإن تركه عامدا ولم يغير المعنى استأنف القراءة وإن غيره بطلت صلاته. فإن قيل: لم وجب الاستئناف هنا ولم يجب في الوضوء والاذان والطواف والسعي؟ أجيب بأن الترتيب هنا لما كان مناط الاعجاز كما مر كان الاعتناء به أكثر فجعل قصد التكميل بالمرتب صارفا عن صحة البناء بخلاف تلك الصور، ومن صرح بأنه يبني في ذلك مراده ما إذا لم يقصد التكميل بالمرتب، وإن تركه ساهيا ولم يطل غير المرتب بنى، وإن طال استأنف.
(و) يجب (موالاتها) بأن يصل الكلمات بعضها ببعض ولا يفصل إلا بقدر التنفس للاتباع مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلو أخل بها سهوا لم يضر، كترك الموالاة في الصلاة بأن طول ركنا قصيرا ناسيا، بخلاف ما لو ترك الفاتحة سهوا فإنه يضر، لأن الموالاة صفة والقراءة أصل. فإن قيل: نسيان الترتيب يضر مع أن كلا منهما واجب؟ أجيب بأن أمر الموالاة أسهل من الترتيب بدليل تطويل الركن القصير ناسيا كما مر، بخلاف الترتيب إذ لا يعتد بالمقدم من سجود على ركوع مثلا، ولو شك هل قرأها أو لا، لزمه قراءتها، لأن الأصل عدم قراءتها، أو شك هل ترك منها شيئا بعد تمامها لم يؤثر، فإن شك في ذلك قبل تمامها استأنفها. (فإن تخلل ذكر) أجنبي لا يتعلق بالصلاة، (قطع الموالاة) وإن قل كالتحميد عند العطاس وإجابة المؤذن والتسبيح للداخل، لأن الاشتغال به يوهم الاعراض عن القراءة فليستأنفها. هذا إن تعمد، فإن كان سهوا فالصحيح المنصوص أنه لا يقطع كما علم مما مر بل يبني، وقيل: إن طال الذكر قطع الموالاة وإلا فلا.
فائدة: الذكر باللسان ضد الانصات، وذاله مكسورة، وبالقلب ضد النسيان وذاله مضمومة، قال الكسائي. وقال غيره: هما لغتان بمعنى. (فإن تعلق بالصلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه) إذا توقف فيها، والفتح: هو تلقين الآية عند التوقف فيها، ومحله كما في التتمة إذا سكت فلا يفتح عليه ما دام يردد التلاوة وسجوده لتلاوته وسؤال رحمة واستعاذة