مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ١٥٧
فائدة: نقل تعين الفاتحة الشيخ أبو زيد عن نيف وعشرين صحابيا. وسميت بذلك لافتتاح القرآن بها، وبأم الكتاب، وبأم القرآن، والأساس لأنها أوله وأصله، كما سميت مكة أم القرى، لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دحيت. وزيد على ذلك أنها سميت أيضا السبع المثاني لأنها سبع آيات وتثنى في الصلاة وأنزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة، والوافية بالفاء، لأن تبعيضها لا يجوز، والواقية بالقاف لأنها تقي من السوء، والكافية لأنها تجزئ عن غيرها، والشفاء وورد فيه حديث، ومعناه واضح، والكنز، والحمد لذكر الحمد فيها. قال الدميري: وفي تفسير تقي الدين بن مخلد: أن إبليس لعنه الله تعالى رن أربع رنات: رنة حين لعن، ورنة حين هبط، ورنة حين ولد (ص)، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب. (إلا ركعة مسبوق) فإنها لا تتعين على الأصح الآتي في صلاة الجماعة. وظاهر كلامه عدم لزوم المسبوق الفاتحة وهو وجه، والأصح أنها وجبت عليه وتحملها عنه الإمام. وتظهر فائدة الخلاف فيما لو بان إمامه محدثا أو في خامسه أن الركعة لا تحسب له، لأن الإمام ليس أهلا للتحمل، فلعل المراد أن تعيينها لا يستقر عليه لتحمل الإمام عنه، ويتصور سقوط الفاتحة أيضا في كل موضع حصل للمأموم فيه عذر تخلف بسببه عن الإمام بأربعة أركان طويلة وزال عذره والإمام راكع، فيحتمل عنه الفاتحة كما لو كان بطئ القراءة أو نسي أنه في الصلاة أو امتنع من السجود بسبب زحمة أو شك بعد ركوع إمامه في قراءة الفاتحة فتخلف لها، نبه على ذلك الأسنوي معترضا به على الحصر في ركعة المسبوق.
(والبسملة) آية (منها) أي الفاتحة، لما روي: أنه (ص) عد الفاتحة سبع آيات، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية منها.
رواه البخاري في تاريخه. وروي الدارقطني عن أبي هريرة أنه (ص) قال: إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم الكتاب والسبع المثاني بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. وروى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أم سلمة: أن رسول الله (ص) عد بسم الله الرحمن الرحيم آية، والحمد لله رب العالمين - أي إلى آخرها - ست آيات.
فإن قيل: يشكل وجوبها في الصلاة بقول أنس: كان النبي (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين كما رواه البخاري، وبقوله: صليت مع النبي (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم كما رواه مسلم. أجيب بأن معنى الأول كانوا يفتتحون بسورة الحمد، ويبينه ما صح عن أنس كما قال الدارقطني. إنه كان يجهر بالبسملة وقال: لا آلو أن أقتدي بصلاة النبي (ص). وأما الثاني فقال أئمتنا: إنه رواية للفظ الأولى بالمعنى الذي عبر عنه الراوي بما ذكر بحسب فهمه، ولو بلغ الخبر بلفظه كما في البخاري لأصاب، إذ اللفظ الأول هو الذي اتفق عليه الحفاظ. وآية من كل سورة إلا براءة لاجماع الصحابة على إثباتها في المصحف بخطه أوائل السور سوى براءة دون الأعشار وتراجم السور والتعوذ، فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك لأنه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، ولو كانت للفصل كما قيل لأثبتت في أول براءة، ولم تثبت في أول الفاتحة. فإن قيل:
القرآن إنما يثبت بالتواتر. أجيب بأن محله فيما يثبت قرآنا قطعا، أما ما يثبت قرآنا حكما فيكفي فيه الظن كما يكفي في كل ظني. وأيضا إثباتها في المصحف بخطه من غير نكير في معنى التواتر، وأيضا قد ثبت التواتر عند قوم دون آخرين. فإن قيل: لو كانت قرآنا لكفر جاحدها. أجيب بأنها لو لم تكن قرآنا لكفر مثبتها، وأيضا التكفير لا يكون بالظنيات. وهي آية كاملة من أول الفاتحة قطعا، وكذا فيما عدا براءة من باقي السور على الأصح، وفي قول إنها بعض آية. والسنة أن يصلها بالحمد لله وأن يجهر بها حيث يشرع الجهر بالقراءة.
فائدة: ما أثبت في المصحف الآن من أسماء السور والأعشار شئ ابتدعه الحجاج في زمنه. (وتشديداتها) منها لأنها هيئات لحروفها المشددة ووجوبها شامل لهيئاتها، فالحكم على التشديد بكونه من الفاتحة فيه تجوز، ولذا عبر في المحرر بقوله: ويجب رعاية تشديداتها، فلو عبر بها لكان أولى. وهي أربع عشر شدة، منها ثلاث في البسملة، فلو خفف منها تشديدة بطلت قراءة تلك الكلمة لتغييره النظم، بل قال في الحاوي والبحر: لو ترك الشدة من قوله إياك متعمدا وعرف معناه أنه يكفر، لأن الإيا ضوء الشمس فكأنه قال: نعبد ضوء الشمس، وإن كان ناسيا أو جاهلا سجد للسهو. ولو شدد
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532