فائدة: نقل تعين الفاتحة الشيخ أبو زيد عن نيف وعشرين صحابيا. وسميت بذلك لافتتاح القرآن بها، وبأم الكتاب، وبأم القرآن، والأساس لأنها أوله وأصله، كما سميت مكة أم القرى، لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دحيت. وزيد على ذلك أنها سميت أيضا السبع المثاني لأنها سبع آيات وتثنى في الصلاة وأنزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة، والوافية بالفاء، لأن تبعيضها لا يجوز، والواقية بالقاف لأنها تقي من السوء، والكافية لأنها تجزئ عن غيرها، والشفاء وورد فيه حديث، ومعناه واضح، والكنز، والحمد لذكر الحمد فيها. قال الدميري: وفي تفسير تقي الدين بن مخلد: أن إبليس لعنه الله تعالى رن أربع رنات: رنة حين لعن، ورنة حين هبط، ورنة حين ولد (ص)، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب. (إلا ركعة مسبوق) فإنها لا تتعين على الأصح الآتي في صلاة الجماعة. وظاهر كلامه عدم لزوم المسبوق الفاتحة وهو وجه، والأصح أنها وجبت عليه وتحملها عنه الإمام. وتظهر فائدة الخلاف فيما لو بان إمامه محدثا أو في خامسه أن الركعة لا تحسب له، لأن الإمام ليس أهلا للتحمل، فلعل المراد أن تعيينها لا يستقر عليه لتحمل الإمام عنه، ويتصور سقوط الفاتحة أيضا في كل موضع حصل للمأموم فيه عذر تخلف بسببه عن الإمام بأربعة أركان طويلة وزال عذره والإمام راكع، فيحتمل عنه الفاتحة كما لو كان بطئ القراءة أو نسي أنه في الصلاة أو امتنع من السجود بسبب زحمة أو شك بعد ركوع إمامه في قراءة الفاتحة فتخلف لها، نبه على ذلك الأسنوي معترضا به على الحصر في ركعة المسبوق.
(والبسملة) آية (منها) أي الفاتحة، لما روي: أنه (ص) عد الفاتحة سبع آيات، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية منها.
رواه البخاري في تاريخه. وروي الدارقطني عن أبي هريرة أنه (ص) قال: إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم الكتاب والسبع المثاني بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. وروى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أم سلمة: أن رسول الله (ص) عد بسم الله الرحمن الرحيم آية، والحمد لله رب العالمين - أي إلى آخرها - ست آيات.
فإن قيل: يشكل وجوبها في الصلاة بقول أنس: كان النبي (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين كما رواه البخاري، وبقوله: صليت مع النبي (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم كما رواه مسلم. أجيب بأن معنى الأول كانوا يفتتحون بسورة الحمد، ويبينه ما صح عن أنس كما قال الدارقطني. إنه كان يجهر بالبسملة وقال: لا آلو أن أقتدي بصلاة النبي (ص). وأما الثاني فقال أئمتنا: إنه رواية للفظ الأولى بالمعنى الذي عبر عنه الراوي بما ذكر بحسب فهمه، ولو بلغ الخبر بلفظه كما في البخاري لأصاب، إذ اللفظ الأول هو الذي اتفق عليه الحفاظ. وآية من كل سورة إلا براءة لاجماع الصحابة على إثباتها في المصحف بخطه أوائل السور سوى براءة دون الأعشار وتراجم السور والتعوذ، فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك لأنه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، ولو كانت للفصل كما قيل لأثبتت في أول براءة، ولم تثبت في أول الفاتحة. فإن قيل:
القرآن إنما يثبت بالتواتر. أجيب بأن محله فيما يثبت قرآنا قطعا، أما ما يثبت قرآنا حكما فيكفي فيه الظن كما يكفي في كل ظني. وأيضا إثباتها في المصحف بخطه من غير نكير في معنى التواتر، وأيضا قد ثبت التواتر عند قوم دون آخرين. فإن قيل: لو كانت قرآنا لكفر جاحدها. أجيب بأنها لو لم تكن قرآنا لكفر مثبتها، وأيضا التكفير لا يكون بالظنيات. وهي آية كاملة من أول الفاتحة قطعا، وكذا فيما عدا براءة من باقي السور على الأصح، وفي قول إنها بعض آية. والسنة أن يصلها بالحمد لله وأن يجهر بها حيث يشرع الجهر بالقراءة.
فائدة: ما أثبت في المصحف الآن من أسماء السور والأعشار شئ ابتدعه الحجاج في زمنه. (وتشديداتها) منها لأنها هيئات لحروفها المشددة ووجوبها شامل لهيئاتها، فالحكم على التشديد بكونه من الفاتحة فيه تجوز، ولذا عبر في المحرر بقوله: ويجب رعاية تشديداتها، فلو عبر بها لكان أولى. وهي أربع عشر شدة، منها ثلاث في البسملة، فلو خفف منها تشديدة بطلت قراءة تلك الكلمة لتغييره النظم، بل قال في الحاوي والبحر: لو ترك الشدة من قوله إياك متعمدا وعرف معناه أنه يكفر، لأن الإيا ضوء الشمس فكأنه قال: نعبد ضوء الشمس، وإن كان ناسيا أو جاهلا سجد للسهو. ولو شدد