قال في الحدائق: ويدل على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلى أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أيها الناس، إن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم، وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه الخبر قال: ويؤكده ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي ونوري، وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه الا استحفظته ملائكتي، وكفلت السماوات والأرضين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، فتأتيه الدنيا وهي راغمة انتهي كلامه.
وأنت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد رحمه الله وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلة الطرفين، لان ما ذكر من التوكل على الله وعدم ربط القلب بغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب، ولذا كان أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وعلي أخيه وزوجته وولديه وذريته - جامعا بين أعلي مراتب التوكل وأشد مشاق الاكتساب، وهو الاستقاء لحائط اليهودي، وليس الشهيد أيضا " في مقام أن طلب العلم أفضل من التكسب وإن كان أفضل، بل في مقام أن طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين، والحاصلة من الموقوفات للمدارس وأهل العلم، والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان وأتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم الا بما في أيديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك، كما كان ذلك متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان،