فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.
وبالجملة: فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله - من أوله إلى آخره - وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور، أعني: تخصيص أدلة طلب الحلال بغير طالب العلم ثم إنه لا إشكال في أن كلا من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الاحكام الأربعة أو الخمسة ولا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب، ولا الواجب الكفائي الواجب العيني ولا إشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين العينيين مقدم على غيره، وكذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم، فيجب أو يستحب مقدمة.
بقي الكلام في المستحب من الامرين عند فرض عدم إمكان الجمع بينهما، ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على الامرين فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم الا شئ قليل لا يترتب عليه كثير فائدة، ويترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها: تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبة، فيحصل بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم ورب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له من كسبه الا قليل من الرزق، فإنه لا إشكال في أن اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات أرجح.