فإذا ثبت ذلك فتفسيرهما أن يقول: أشهد أنها أرضعته خمس عشرة رضعة متفرقات خلص اللبن منها إلى جوفه في الحولين، فلا بد أن يتحقق أن في ثديها لبنا ثم يشهد هكذا، ويحتاج على مذهبنا أن يتبين أنها لم تفصل بين الرضعات برضاع امرأة أخرى، وهذا وإن كان نفيا فيمكن أن يشهد أنه ما فارقها هذه المدة حتى استوفت العدد، فإن ابتدأ الشاهد بهذا على هذا الوجه قبلنا، وإن أطلقها فاستشرحها الحاكم عن ذلك ففسرها هكذا حكم بها، لأنه زال ما يحذره.
فإن قيل: خلوص اللبن إلى جوفه من المغيب عنه والله يعلم، فكيف يشهد بحصول اللبن إلى جوفه؟ قلنا: الذي يحتاج إليه أن يعلم أن في ثديها لبنا، فإذا شاهده قد التقم الثدي يمصه بأن يحرك شفتيه كان الظاهر أن اللبن قد حصل في جوفه، فالشهادة تقع على الظاهر.
ألا ترى أن الشهادة على النسب والموت والملك المطلق لا يفتقر إلى القطع بها، بل بالظاهر، فإذا أدخل الصبي رأسه تحت ثيابها أو أدخلته تحت ثيابها ولم يشاهده ملتقما ثديها لم يجز أن يشهد بالرضاع حتى يشاهده يلتقم الثدي يمصه.
إذا اعترف أحدهما بأن الآخر ذو محرم له من رضاع، مثل أن قال الرجل: هذه بنتي أو أختي أو أمي أو خالتي أو عمتي، أو قالت: هذا ابني أو خالي أو عمي أو أبي من الرضاع، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل النكاح أو بعده.
فإن كان قبل النكاح وكان الرجل هو الذي قال هذا، ثبت ما قاله، وحرم عليه نكاحها، لأنه اعترف بأنها صارت محرمة عليه، وكذلك إن كانت هي التي ذكرت هذا، قبل قولها وحرم عليها نكاحه، لأنه إقرار فيما هو حق لها فقبل قولها على نفسها فيه، هذا إذا كان في وقت يمكن ذلك، فأما إذا كان على وجه لا يمكن، مثل أن يقول لمن هو أكبر منه سنا أو في سنه: هذه بنتي، أو قالت: هذا ابني، سقط قولهما، وقال بعضهم: لا يسقط، والأول أصح لأنه علم كذبه.
فإن رجعا عن ذلك وقالا: كذبنا في هذا لا حرمة بيننا من رضاع، نظرت: فإن كان ما قال أولا صدقا في الظاهر والباطن، فقد حرم أحدهما على صاحبه ظاهرا