فصل: في التفويض:
التفويض في اللغة جعل الشئ إلى غيره، وأن يكله إليه، يقال: فوضت أمري إليه، أي فوضته إليه ليدبره، قال الله تعالى: " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " أي أجعله إليه، وقال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا فأما التفويض الشرعي فإن ينكح المرأة بغير مهر، فيقال مفوضة، ومفوضة، فمن قال " بفتح الواو " قال " لأن وليها هو الذي يفوض ذلك، ومن قال " بكسرها " قال: لأن الفعل لها لأنها تزوج نفسها.
والكلام في العرف الشرعي، وجملته أن المفوضة ضربان: مفوضة المهر ومفوضة البضع.
فأما مفوضة المهر فإن يذكر المهر مفوضا غير محدود، مثل أن يقول:
زوجتكها على أن تمهرها ما شئت أو ما شئت أو ما شئنا، فإذا عقد على هذا سقط ما سمياه ووجب مهر المثل عندهم، وسيأتي الكلام عليه.
وأما مفوضة البضع، فإن يعقد النكاح بغير مهر وهو أن يقول: زوجتك بنتي هذه، فيقبل الزوج، ولا ذكر للمهر، أو يقول: زوجتكها على أن لا مهر لها، فقبل الزوج على هذا ثبت النكاح صحيحا بغير مهر بلا خلاف، وإن قال: بغير مهر في الحال ولا فيما بعد، كان النكاح أيضا صحيحا لأن إطلاقه يقتضي المهر، فإذا شرط أن يكون بغير مهر كان الشرط باطلا، وقال قوم: النكاح باطل لأنها تصير كالموهوبة، والأول أصح.
فإذا ثبت أن المفوضة على هذين الضربين، فإن إطلاقها يتناول مفوضة البضع دون المهر، وقال قوم: هما سواء، فإذا ثبت أن إطلاقه ينصرف إلى مفوضة البضع فالتفريع عليها، فلا يصح أن تكون مفوضة إلا من فوض بعضها بإذنها واختيارها، وهي الثيب مع كل ولي والبكر في حق غير الوالد والجد، فإذا عقد لها النكاح بإذنها مفوضة فهي المفوضة التي ذكرناها.