فأما الاختيار بالفعل فإن وطئ واحدة منهن فهل يكون اختيارا أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يكون اختيارا كما لو باع أمته بشرط الخيار، فوطئها قبل القبض كان وطؤه فسخا للبيع ورد إلى ملكه، والثاني لا يكون اختيارا لأن الاختيار بمنزلة ابتداء عقد، والنكاح لا ينعقد إلا بالقول، فكذلك الاختيار.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الوطء يكون اختيارا كما نقول في الرجعة، فعلى هذا إذا وطئ أربعا ثبت نكاحهن وانفسخ نكاح البواقي، وعلى القول الآخر لا يكون اختيارا، ويقال له: اختر الآن أربعا، فإن اختار من وطئها منهن ثبت نكاحها ولا مهر لها، وإن اختار غير من وطئ فإن اختار أربعا ثبت نكاحهن، وعليه لكل واحدة من اللواتي وطئها مهر مثلهن، لأنه وطء صادف غير ملكه بشبهة.
إذا أسلم وعنده ثماني نسوة أسلمن معه، كان اختيار أربع واجبا عليه، ومفارقة البواقي، فإن فعل وإلا أجبره السلطان عليه، لأن المسلم لا يجوز له أن ينكح أكثر من أربع، ولا أن يستديم أكثر من أربع، وللسلطان حبسه تعزيرا عليه في ترك الواجب، فإن فعل وإلا أخرجه وعزره بالضرب، فإن فعل وإلا رده إلى الحبس والضرب، حتى يختار لأنه حق لا يختار إلا من جهته.
وهكذا من وجب عليه دين حال وعرف له مال يستره ولم يكن له مال سواه، فإن السلطان يجبره على قضاء الدين، فإن فعل وإلا حبسه تعزيرا، فإن فعل وإلا أخرجه وعزره، ولا يزال يحبسه ويعزره حتى يظهر المال ويقضي الدين، مثل الاختيار سواء، فإن جن في الحبس أطلقه لأن المجنون لا اختيار له، فإذا أفاق أجبره على الاختيار، فإن فعل وإلا حبسه وعاد إلى ما كان عليه من تكرير الحبس والتعزير، ولا يزال أبدا كذلك حتى يفعل.
وأما النفقة فعليه نفقة الكل حتى يعين الزوجات منهن لأنهن تحته عن عقد نكاح وهن كلهن في حكم الزوجات، بدليل أن له يختار أربعا من أيهن شاء، فإن لم يختر حتى مات وهن عنده فعليهن العدة فتعتد كل واحدة أقصى الأجلين من أربعة أشهر وثلاثة أقراء لأن فيهن أربع زوجات مات عنهن وأربع عنده بنكاح