فإن قال من بعد: فسخت نكاحهن، لم يكن لذلك تأثير سواء نوى بذلك طلاقا أو لم ينو لأن الطلاق عندنا لا يقع إلا بصريح اللفظ، وعندهم يسأل فإن قال:
أردت الطلاق، طلقن لأن الفسخ كناية عن الطلاق، وإن قال: ما أردت الطلاق وإنما أردت به فسخ النكاح وحله، قلنا: ليس له حله وفسخه بغير عيب، فإن اختلفا فقال: ما أردت الطلاق، وقلن: أردت الطلاق وقد طلقنا، فعلى مذهبنا هذا لا يصح، وعلى مذهبهم القول قوله مع يمينه، فإن حلف ثبت نكاحهن، وإن نكل ردت اليمين عليهن، فإن حلفن ثبت الطلاق وبن منه بالطلاق.
إذا أسلم الحر وتحته خمس حرائر فأسلمن واحدة بعد واحدة فكلما أسلمت واحدة قال لها: قد اخترتك، ثبت نكاح الأربعة، والفسخ يقع على الخامسة.
حر تزوج ثماني حرائر في الشرك، ثم أسلم وأسلم معه أربع، فهو بالخيار بين أن يختار إمساك أربع، وبين أن يصبر لما يكون من البواقي، لأن له غرضا في انتظارهن لكونهن أحب إليه منهن، فإن اختار الأربع ثبت وانقطع عصمة البواقي، فإن أسلمن وقع الفسخ من حين اختيار الأربع، وإن أسلمن حين انقضت عدتهن وقع الفسخ باختلاف الدين، وإن توقف نظرت:
فإن أسلمن كان له اختيار أي أربع شاء، فإذا فعل انفسخ نكاح البواقي، وإن لم يسلمن حتى ماتت الأربع اللاتي أسلمن ثم أسلم البواقي كان له أن يختار أربعا أي أربع شاء، فإن أحب اختيار الموتى صح وانفسخ نكاح البواقي لأن الاختيار لا يجدد عقدا، وإنما يتبين به من كان صحيح النكاح منهن.
إذا أسلم الرجل وتحته زوجات حرائر، فقال حين أسلم: كلما أسلمت واحدة فقد اخترت فسخ نكاحها، فقد علق ذلك بإسلامها، فقال بعضهم: إن لم يكن له نية بل أراد فسخ النكاح وحله لم يصح، لأنه تعليق فسخ بصفة والفسخ لا يتعلق بالصفات، كما لو قال: إن دخلت الدار فقد فسخت نكاحك، ولم يرد طلاقا، وهذا الأقوى الذي يقتضيه مذهبنا.
فأما إن نوى طلاقا كان طلاقا عندهم، فكلما أسلمت واحدة كان فيما ذكره