الطبري صاحب التاريخ والتفسير ومنعوا من دفنه لما مات، فكان أن دفن في داره ليلا. يقول ابن خزيمة " ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة " (113). أما ابن عقيل الحنبلي فله معهم قصة طويلة ذكرها أصحاب التواريخ. لقد كان ابن عقيل يتردد على بعض شيوخ المعتزلة ويأخذ عنهم ولما علم الحنابلة بدلك، وقيل أنهم اطلعوا على كتب له فيما تعظيم للمعتزلة وترحم على الحلاج. طلبوه وأرادوا أذيته، فاختفى عنهم مخافة التنكيل به. لكن الرجل لم يستطع الاستمرار في الاختفاء " فكتب بخطه كتابا يقر على نفسه بالخطأ ويبرأ منه ويعطي إمام المسلمين الحق في التنكيل به إذا ظهر منه فيما بعد شئ مماثل لما كان عليه (114).
لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا الإرهاب الفكري والعقائدي، لم يجعل ابن عقيل يتنازل عن أفكاره ومعتقداته، وإن كان قد كتب توبته منها. فقد ذكر ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة. عند ترجمته لابن عقيل بأنه كان " يظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة، وتأول بعض الصفات.
ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله " (115).
وإذن فقد كانت توبته تقية وخوفا من الحنابلة. وابن رجب عندما يقول " وتأول لبعض الصفات " إنما يعني مخالفته لاعتقادهم التشبيه والتجسيم، وقد تبرأ من هذه العقيدة ابن الجوزي كذلك وهو من الحنابلة ورد على عامة أهل المذهب. كما تعرضوا ليحيى بن معين وعلي المدني وغيرهم من علماء وفقهاء المذاهب الإسلامية. فهذا عبد الله الأنصاري الهروي الذي كان يوصي الناس بأن يتحنبلوا " يلعن الأشعري " والأشاعرة، لأنهم لا يعتقدون إن الله عز وجل