الشافعية عن واحد من الحنابلة، غمزه ونال منه. إن لم يستطع بصريح العبارة فلا أقل من الكناية والتحريض، وكذلك لو كتب واحد من الحنابلة عن الشافعية، وكتب التراجم مليئة بالأمثلة والشواهد (119). ومن يتصفح " المنتظم " لسبط ابن الجوزي يستغرب بل يستهول حجم الفتن وكثرتها والتي كان الحنابلة يشعلونها بين الحين والآخر. فتارة مع أهل السنة من الأشاعرة وتارة مع الشيعة، أما أسباب الخلاف فالمسائل العقائدية والخصوصيات المذهبية. والبادئ دائما لإشعال هذه الفتن والتعدي على الآخرين هم " حشوية الحنابلة ".
لقد أحدث الحنابلة جفوة بالغة بينهم وبين سائر الفرق كما يقول صاحب النهج الأحمد بسبب أسلوبهم في الدعوة، حيث الخشونة والعنف والإرهاب من أبرز سمات تحركاتهم الدعوية. بالإضافة إلى انتصارهم بالعوام والطبقات الدنيا من المجتمع، حيث يسود الجهل والأمية ويصعب على أي عاقل فضلا عن المفكر أو العالم أو يوصل بعض الحقائق إلى عقول هؤلاء العامة، أو أن يمد جسرا للتفاهم معهم وتوضيح الأمر لهم، بشكل تستوعبه عقولهم البسيطة. ولقد كان الحنابلة يدركون ذلك جيدا ويستفيدون من العامة لتحقيق انتصارات مذهبية.
لقد وصف الحنابلة أنفسهم بأنهم " قم تقلصت أخلاقهم عن المداخلة ".
لذلك فقد اتسمت دعوتهم بالعنف والشدة والإرهاب، يقول الشيخ محمد أبو. زهرة " وفي سبيل دعوتهم يعنفون في القول. حتى إن أكثر الناس لينفرون منهم أشد النفور " (120).