أما الوهابية فكانت قد وجدت طريقها إلى عقول وقلوب الكثير من شبان نجد وشيوخها وانتشرت كتب الشيخ ابن عبد الوهاب ورسائله بين الطلبة هناك. ولا نعتقد أن الضربة العسكرية وإن كانت قوية قد أثرت على إيمان من كان قد آمن بعقائد التوهب آنذاك. ولم يتهم " العقيدة الجديدة " بأنها سبب ما حل بالقرى والمدن من خراب، سوى من لم يكن قد آمن بها وإنما كان خاضعا لقوة السيف. أما الأتباع المخلصون للعقيدة الجديدة فقد اتهموا أنفسهم والتزامهم الديني وأرجعوا الهزيمة إلى " الذنوب " التي اكتسبها المجتمع الوهابي آنذاك فاستحق العذاب وخربت بلده وقضي على دولته.
هذه " الذنوب " التي لم يبين لنا المؤرخ ابن بشر ما هي وما طبيعتها. وإن كان سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم من كبائر الذنوب، لكن لا أظن أن ابن بشر يقصد ذلك، لأن ذلك في عرفه جهاد في سبيل الله.
لكن الجيش الإسلامي وإن لم يقض على الحركة الوهابية فإنه بلا شك استطاع أن يخرب الجهاز أو الإطار الذي كان يجمع الوهابية. وبعد الهزيمة وتهجير آل الشيخ إلى مصر لم يعد هناك من محور يلتف حوله أتباع هذه الحركة التي لم تكن قد تشكلت كمؤسسة دينية واضحة المعالم، كما لم تظهر شخصية فاعلة أو متميزة يمكنها أن تلعب دور المحور الذي يعيد تجميع ما تفرق، وإنما ظلت الوهابية موجودة بشكل عام لدى بعض الطلبة والمشايخ الذين لم يرتدوا عن تعاليمها. بل استمر تلقينها ودراسة بعض كتب الشيخ ابن عبد الوهاب، لكن على نطاق ضيق وبشكل فردي. ولو استمر الأمر على ذلك لكانت اليوم في حكم المندثر الذي عفا عنه الزمان. لكن قرنا سياسيا سينجم لهذه الحركة من جديد ومعه ستلبس الحركة الوهابية ثوبها الجديد وستنطلق فاتحة غازية.