في الحجاز أو أطراف الشام والعراق. أقول لما كان الوضع الاقتصادي جيدا للغاية كانت أمور الحركة والدولة تسير في أحسن الظروف. فالقضاة والمؤذنون وأئمة المساجد والدعاة " المطاوعة "، كل يجد ما يكفيه من بيت مال المسلمين وأجورهم جارية بالإضافة إلى امتيازات شخصية تخص الشيخ ابن عبد الوهاب وعائلته لأنهم كانوا في الحقيقة يتقاسمون السلطة بطريقة ما مع آل سعود.
فلم يكن الأمير السعودي الحاكم مطلق التصرف في دولته بل كان من الضروري أن يرجع إلى رأي واستشارة الشيخ أو علماء الوهابية بعد ذلك وعلى رأسهم أبناء الشيخ وأحفاده.
وعليه يمكن أن يقال بأن الدولة السعودية الأولى قد سجلت حالة الوفاق التام بين الحركة والدولة وكان كل واحد منهما يدعم الآخر ويقوي جانبه.
الدولة بالأموال وما تحققه جيوشها من توسع جغرافي يضمن للوهابية مزيدا من الانتشار. والحركة تمد الدولة بالموظفين والإداريين والجنود وتمد الجيش بالدعم العقائدي ليستمر في الغزو والنهب والتوسع.
وهكذا استطاعت الحركة الوهابية الدينية ليس فقط إعطاء الشرعية السياسية للدولة السعودية بل شكلت خيوط تماسكها وقوتها، فلا يمكن بتاتا الكلام عن دولة سعودية دون حركة وهابية.
وإذا كان العالم الإسلامي قد تدخل أخيرا للقضاء على هذه الدولة بعد ما وصل السيل الزبى وسالت الدماء أنهارا في الحجاز والحرمين الشريفين وأطراف العراق والشام، وتمكن فعلا من تدمير دولتهم وتخريب مقر ملكهم " الدرعية " وتهجير الكثير من أفراد عائلة آل سعود وآل الشيخ. فإن الحركة الوهابية لم تعرف الهزيمة النهائية ولم يتمكن الجيش الإسلامي من اجتثاث جذورها في بلاد نجد، وما كان له أن يقدر على ذلك. إذ كانت المهمة منحصرة في القضاء على دولة تثير الفتن والقلاقل بجيوشها البدوية.