الحنبلي العريق في حنبليته. وكيف توصل إلى إضفاء نوع من العقلنة على هذا التراث الحشوي، والخروج بنتائج ومعتقدات، وضعها في قوالب نسبها إلى السلف الصالح واعتمدها من جاء بعده من (تلاميذه) على أنها مذهب السلف في العقائد، الواجب اتباعه، ضال من تنكب عن طريقه.
كنا قد تتبعنا آراء المعاصرين من فقهاء علماء المذاهب الإسلامية في هذا الرجل لمعرفة القضايا المهمة التي اختلفوا معه فيها من خلال ردودهم العامة. أما تفصيل القضايا فقد أفردنا له مكانا خاصا كما ذكرنا سابقا. وأخيرا إذا كان البحث العلمي قد أوصلنا في الفصول السابقة إلى تحديد ومعرفة الجذور التاريخية والنظرية لاتجاه الحشو، وأن ما يطلق عليه اليوم " مذهب السلف " ما هو إلا نسخة معدلة مطورة لهذا الاتجاه. اكتسب شرعيته من انتسابه لمحدث مشهور، وتوالت عليه مجموعة من المحدثين ورجال الفقه، تؤسس بنيانه وتدعم صرحه وإذا أطلق على ذلك البناء أسم " المذهب الحنبلي " فإن النسخة المعدلة منه، مع ابن تيمية وأتباعه سيختار لها عنوان أشد جاذبية وأكثر غموضا وصعوبة عند التعريف: إنه " مذهب السلف ".
لقد ثبت أن الإمام أحمد ابن حنبل لم يكن فقيها بالمعنى الاصطلاحي لدى أهل السنة والجماعة، فهل كان شيخ الإسلام ابن تيمية سلفيا كما ادعى هو وادعي له؟.
أم أننا سنصل إلى نفس النتيجة التي وصلنا إليها أثناء بحثنا في تعريف مصطلح السلف؟! وهي أن " مذهب السلف " ليس سوى مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، سواء أكان في العقائد أم في الفروع. أما محاولة الجمع بين ما يمكن أن يسمى مذهب السلف أي ما اعتقده ورآه الصحابة والتابعون وجملة علماء القرون الثلاثة الأولى وما أفصح عنه لسان وقلم ابن تيمية الحنبلي؟! فنعتقد أنها محاولة فاشلة وسطحية لا يمكنها أن تعبر نهر الحقيقة إلا على جسر الكذب والتحريف والافتراء على التاريخ الإسلامي وشخصياته جملة وتفصيلا.