وفي هذه المسألة أيضا بذل ابن تيمية سعيا حثيثا في المغالطة وتشويش ذهن القارئ، لكنه بالتالي يصرح بأنه قال ما لا يعتقد، إنه نص بعد كلام له طويل: " وبالجملة، فنحن ليس مقصودنا هنا نصر قول من يقول: القرآن قديم، فإن هذا القول أول من عرف أنه قاله في الإسلام أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، واتبعه على ذلك طوائف، فصاروا حزبين: حزبا يقول: القديم هو معنى قائم بالذات، وحزبا يقول: هو حروف أو حروف وأصوات.
وقد صار إلى كل من القولين طوائف من المنتسبين إلى السنة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وليس هذا القول ولا هذا القول قول أحد من الأئمة الأربعة، بل الأئمة الأربعة وسائر الأئمة متفقون على أن كلام الله منزل غير مخلوق...
لكن اشتهر النزاع فيها في المحنة المشهورة لما امتحن أئمة الإسلام، وكان الذي ثبته الله في المحنة وأقامه لنصر السنة هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وكلامه وكلام غيره في ذلك موجود في كتب كثيرة، وإن كان طائفة من متأخري أصحابه وافقوا ابن كلاب على قوله: إن القرآن قديم، فأئمة أصحابه على نفي ذلك وأن كلامه قديم، بمعنى أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته... وأحمد وغيره من السلف يقولون: إن الله تعالى يتكلم بصوت، لكن لم يقل أحد منهم: إن ذلك الصوت المعين قديم " (1).
أقول:
أولا: إذا لم يكن ابن تيمية يقصد نصرة هذا القول فلماذا هذه التطويلات؟
وثانيا: إنه يقر بأن القول المذكور هو لطوائف من أهل السنة، فما ذكره