تحريف السيرة.
وثالثا: يمكن أن يقال: إن كل واحد من الرواة نقل ما رآه بعينه - لا سيما مع شدة الزحام - وما كان عليه المهاجمون من الفظاظة والغلظة، فإن ذلك يمنع عن مشاهدة القضية بتمامها، فحكاية شئ منها لا تنفي سائر ما ذكر فيها، ويشهد لذلك: ما ورد من الآثار التي ذكر فيها تحقق إحراق الباب بعد ذكر التهديد أو إرادة الإحراق، والمراد: إنهم قصدوا إحراق البيت ومن فيه.. أي أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء وأولادهم (عليهم السلام)، ولكنهم لم يقدروا على ذلك أو لم يتحقق.. واقتصر على الباب مع قصد الجميع..
ورابعا: الذي يظهر من مجموع القرائن والشواهد لكل متعلم ماهر وخبير بصير بالجنايات والحوادث إذا طرح عن نفسه العصبية ونظر بعين الإنصاف في روايات العامة - التي تذكر: تهديدهم السيدة فاطمة (عليها السلام) بإحراق دارها، وروايات أخرى عنهم تذكر الإتيان بالنار، وطائفة ثالثة تدل على جمعهم الحطب حول البيت، وطائفة رابعة على ضربها أو إسقاطها جنينها - ثم يرى تواتر النصوص بدفنها ليلا، وإيصائها بذلك لئلا يصلي عليها الشيخان، وأنها لم تزل غضبي عليهما إلى أن ماتت.. بل بقي قبرها مخفيا إلى يومنا هذا بوصية منها، يحصل له العلم القطعي بتحقق الإحراق وسائر الجنايات.
وربما يتوهم التنافي بين هذه النصوص، ففي بعضها: كانت سبب وفاتها أن قنفذا مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره.. وكذا ما رواه سليم - من إسناد شهادتها إلى قنفذ -.
وفي بعضها: فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر ثم قبضت..
وكذا بين ما أسند الإسقاط إلى عمر، وبين ما أسنده إلى قنفذ أو خالد أو المغيرة..