وترى في روايات العامة والخاصة أن الهجوم الأخير على البيت الطاهر وقع بعد استنصار السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع بعلها وبنيها (عليهم السلام) ليلا واستنهاضها المهاجرين والأنصار ليردوا الحق إلى أهله، فالهيئة الحاكمة بأركانها أصحاب العقبة، ومجريها الثاني، ومديرها السياسي الأول عرفوا أنها لا تقعد عن نصرة إمامها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعزمت على بذل غاية جهدها في إقامة الحق وإبطال الباطل، إذ هي التي لم تنس قول أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "... اللهم انصر من نصره واخذل من خذله.. " قبل أيام قليلة في حجة الوداع على عكس الذين آثروا الدنيا على الآخرة. فقوى في نفس القوم احتمال رجوع الحق إلى أهله وانتباه الناس عن غفلتهم، فلم يروا بدا من قتل فاطمة (عليها السلام)، فعزموا على تلك الجناية التي لا يتصور فوقها جناية، ولا تنسى أبدا.
تلك المصيبة التي لا يجري القلم بكتابتها.. ولا اللسان بذكرها.. والسمع باستماعها.
نعم أوجب الحقد والحسد والعداوة وحب الرئاسة والملك وإيثار الدنيا على الآخرة أن يجتمع هؤلاء الذين يعدون أنفسهم من الأصحاب حول بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ويهددوا تلك البضعة الوحيدة، وذكرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإحراق بيتها على أهله ورفعوا أصواتهم بالصيحة المنكرة حول البيت، وغلظوا في التكلم معها، وراموا فتح الباب.. ولما امتنعت من ذلك ولم تأذن لهم أن يدخلوا، جمعوا الحطب على الباب وأحرقوه، ثم دفعوا الباب المحروق على بطنها وهي حاملة بالمحسن (عليه السلام) وعصروها بين الباب والحائط فأسقطت جنينها ونادت: " يا أبتاه! يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.. يا أبتاه! يا رسول الله! أهكذا يصنع بحبيبتك وابنتك ".
" آه يا فضة خذيني "... وسقطت على الأرض.