والواقع، إن وجوب دفع الضرر لا ينكره إلا الجاهل الغبي، لأنه من أحكام الفطرة التي فطرت عليها النفوس، ومن ينكر ذلك فهو أقل رتبة من الحيوانات التي تعرف ذلك بفطرتها، ألا ترى أنها تنفر من الضرر وتسعى إلى النفع بفطرتها دون توسط حكم العقل بالحسن والقبح؟
إن هذه القاعدة قاعدة التحسين والتقبيح العقليين اعتنى بها المتكلمون كثيرا، وأما علماء الأصول فهم وإن لم يخصصوا لها بابا مستقلا، إلا أنهم تكلموا عنها استطرادا في مباحث الظن والاحتياط والبراءة، وتتلخص أقوالهم بأن الضرر إما أن يكون دنيويا، أو أخرويا، وكل منهما إما أن يكون معلوم الوقوع أو مظنونا أو محتملا.
أما الضرر المعلوم، فإن العقل يحكم بوجوب دفعه مهما كان نوعه.
وأما المظنون والمحتمل، فإن كان أخرويا، وكان ناشئا عن العلم بوجود التكليف والشك في المكلف به، فهو واجب الدفع، لأنه يعود إلى وجوب الإطاعة فيدخل في باب الاحتياط.
وإن كان الخوف من الضرر الأخروي ناشئا من الشك في أصل وجود التكليف ، فالعقل لا يحكم بوجوب الدفع، لوجود المؤمن العقلي وهو قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) أي: إن عدم البيان أمان من العقاب، كما في قوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ (1) زيادة على حديث الرفع المشهور كما تقدم، وحديث السعة في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال:.. هم في سعة حتى يعلموا (2) وقول الإمام الصادق عليه السلام: