والعجب إنك ترى تلك الإساءة ممن يدعي العلم والفهم وتلاوة القرآن الكريم ، وكأنه لم يمر - في تلاوته - أبدا على ما سنتلوه عليك من آيات بينات وما قاله المفسرون بشأنها.
إن الآيات القرآنية الدالة على اليسر ونفي الحرج وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، أو المشيرة إلى أن المكره أو المضطر إلى المحرم لا جرم عليه، غير خافية على أحد، ولا ينكرها إلا الجاهل المتعسف أو المعاند الصلف، وكلامنا ليس مع هذا الصنف، بل مع من يعي أن نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بعث بالحنيفية السمحة ثم يشتبه عليه أمر التقية.
ونحن إذ نتعرض هنا للأدلة القرآنية الدالة على مشروعية التقية، نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال على صحة قضية يكفي لإثباتها، فكيف لو توفرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة، لم يختلف في تفسيرها، لأنها محكمة ينبئ ظاهرها عن حقيقتها ولا مجال لمتأول فيها؟
ومع هذا سوف لا نكتفي بدليل قرآني واحد، بل سنذكر أربع آيات مباركة ، من بين الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على مشروعية التقية.
والسبب في هذا الحصر والانتقاء، إنا وجدنا القرآن الكريم قد تعرض إلى بيان تقية المؤمنين في الأمم السالفة بآيتين صريحتين، كما وجدناه قد أمضى تلك التقية بتشريعاته الخالدة في أكثر من آية، انتقينا منها آيتين فقط، لما فيهما من وضوح تام حول امتداد ظل ذلك التشريع العظيم إلى وقت مبكر من عمر الرسالة الخاتمة.
ومن هنا قسمنا الأدلة المذكورة على قسمين: أحدهما، ما اتصل بالتقية قبل الإسلام، والآخر: ما اتصل بها عند انطلاق دعوة الحق من