الأسود فلم يقدر عليه لكثرة الزحام فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا قلت: بل أطيبهم وأشرفهم ذاتا وطبعا وأصلا وفرعا - فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من أهل الشام: من هذا الرجل الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن لا يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق حاضرا فقال: أنا أعرفه فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.
وحكى الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عثمان الجلابي حكاية الفرزدق كما حكاه اليافعي.
وأما الشيخ العلامة كمال الدين ابن طلحة حكاها أن الفرزدق لقى أمير المؤمنين أبا عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام مسيره إلى كربلاء فلما ودعه الفرزدق وفي نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بني مجاشع: يا أبا فراس هذا الحسين بن علي؟ قال الفرزدق: نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وبارك وسلم هذا والله ابن خيرة الله وأفضل من مشى على الأرض الآن وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها فقال ابن عمران رأيت أن تسمعنيها أبا فراس فقال: قلت فيه وفي أمه وأبيه وجده - فأنشد القصيدة.
وقال ابن طلحة: ولما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه وجاء علي بن الحسين عليهما السلام فوقف له الناس وتنحوا حتى استلم فقال جماعة هشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه. فسمعه الفرزدق فقال: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين زين العابدين وأنشد هشاما من الأبيات التي قالها في أبيه الحسين: هذا ابن خير عباد الله كلهم...