شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٣ - الصفحة ٥٣٥
الدار حتى أنظر في ملكوت السماوات، فلما أخرجوا فراشه رفع رأسه إلى السماء فنظر وقال: اللهم إني احتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي ا ه.
قال له الحسين رضي الله عنه: لم تجزع وأنت تقدم على أهلك وأقاربك؟ فقال له: أي يا أخي إني أدخل في أمر من الله لم أدخل في مثله وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثلهم قط. فبكى الحسين رضي الله عنه، وكان قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خاف أن يكون في ذلك شئ فليدفن بالبقيع، فأبى مروان أن يدعه وقال: ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد دفن عثمان بالبقيع، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلك، فلم يزل عدوا لبني هاشم حتى مات.
فتسلح الحسين وجمع مواليه، فقال له جابر، يا أبا عبد الله، اتق الله ولا تثر فتنة، ولا تسفك الدماء، وادفن أخاك إلى جنب أمه، فإن أخاك قد عهد بذلك إليك، فدفن في بقيع الغرقد.
ولما امتنع مروان من أن يدفنالحسن رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لامه أبو هريرة وذكر له فضل علي والحسن، فقال له: إنك والله أكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. فلا نسمع منك ما تقول، فهل من غيرك يعلم ما يقول؟ فقال له: هذا أبو سعيد الخدري.
وقيل: توفي سنة ٤٦ قمرية من الهجرة.. والمشهور أنه مات سنة تسع وأربعين كما ذكرنا.. وقال آخرون: مات سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين. وعاش مع أبيه علي (٣٨) وستة أشهر، وستة أخرى خليفة بعد أبيه رضي الله عنهما. حاصله: أنه عاش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (٨ سنوات). وفي حياة أبيه رضي الله عنه (٣٩) سنة. وفي حياة معاوية رضي الله عنه (١٠) سنين، فسنه رضي الله عنه عنه يتراوح بين (٤٧) و (٤٨) سنة.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: مات الحسن بن علي رضي الله عنهما بالمدينة واختلف في وقت وفاته فقيل: مات سنة تسع وأربعين. وقيل بل مات في ربيع الأول من سنة خمسين بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين. وقيل: بل مات سنة إحدى وخمسين، ودفن ببقيع الغرقد وصلى عليه سعد بن العاص وكان أميرا بالمدينة قدمه الحسين للصلاة على أخيه، وقال: لولا أنها سنة ما قدمتك. ومن طريق ما ثبت أن: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه، (قل هو الله أحد) ففرح بذلك فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله.
قال: فلم يلبث الحسن بن علي بعد ذلك إلا أياما حتى مات.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا عبد الرحمن بن صالح بسنده عن عمير بن إسحاق، قال:
دخلت أنا ورجل آخر من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا وما سقيت مرة هي أشد من هذه، قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من الغد، وقد أخذ في السوق فجاء حسين حتى قعد عند رأسه، فقال: أي أخي من صاحبك؟ قال: تريد قتله، قال: نعم، قال: لئن كان صاحبي الذي أظن فالله أشد نقمة. وفي رواية: فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإن لم يكنه فما أحب أن تقتل بي بريئا.
ورواه محمد بن سعد عن ابن عون، وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور، قالت: الحسن سقى مرارا كل ذلك يفلت منه، حتى كانت المرة الآخرة التي مات فيها فإنه كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا.
وقال الواقدي: وحدثتنا عبدة بنت نائل عن عائشة قالت: حد نساء بني هاشم على الحسن بن علي سنة. ويقال: أنه كان سقي سما، ثم أفلت، ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة، توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قطع السم أمعاءه. فقال الحسين: يا أبا محمد أخبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال أقتله والله قبل أن أدفنك، ولا أقد عليه أن يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي: إنما هذه الدنيا ليال فانية. دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، وأبي يسميه.
وقال أبو نعيم رضي الله عنه: لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع فدخل عليه رجل فقال له:
يا أبا محمد ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك. فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم، وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك = القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب، قال: فسرى عنه.
وفي رواية أن القائل له ذلك الحسين، وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثلهم قط. قال: فبكى الحسين رضي الله عنهما.
ويقول اليعقوبي: لما لف الحسن في أكفانه قال محمد بن الحنفية: رحمك الله أبا محمد، فوالله لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح عمر به بدنك، ونعم البدن بدن ضمه كفنك لم لا يكون كذلك وأنت سليل الهدى وحليف أهل التقوى. وخامس أصحاب الكساء. غدتك كف الحق، وربيت في حجر الاسلام، وأرضعتك ثديا الإيمان، فطب حيا وميتا فعليك السلام ورحمة الله، وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك، ولا شاكة في الخيار لك. ثم أخرج نعشه يراد به قبررسول الله صلى الله عليه وسلم، فركب مروان بن الحكم، وسعد بن العاص فمنعنا من ذلك حتى كادت تقع فتنة.
ثم استطرد يقول: توفي الحسن بن عليوابن عباس عند معاوية فدخل عليه لما أتاه نعي الحسن، فقال له: يا بن عباس إن حسنا مات. فقال إنا لله وإنا إليه راجعون على عظم الخطب، وجليل المصاب أما والله يا معاوية لئن كان الحسن مات فما ينسئ موته في أجلك، ولا يسد جسمه حفرتك، ولقد مضى إلى خير. ولا أحسبه قد خلف إلا صبية صغارا قال: كل ما كان صغيرا يكبر، قال بخ بخ يا بن عباس أصبحت سيد قومك قال أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين ابن رسول الله فلا.
قال العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي صاحب (عقد الفريد) في طبائع النساء وما جاء فيها من العجائب والغرائب ص ١٨٣ ط مكتبة القرآن بولاق القاهرة قال:
لما مات الحسن بن علي عليهما السلامضربت امرأته فسطاطا على قبره، وأقامت حولا، ثم انصرفت إلى بيتها، فسمعت قائلا يقول: أدركوا ما طلبوا. فأجابه مجيب: بل ملوا فانصرفوا.