شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٣ - الصفحة ٥٣٥
ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق. رواه جماعة (1):
(1) قال الفاضل المعاصر خالد محمد في (أبناء الرسول صلى الله عليه وآله في كربلا) ص 60 ط دار ثابت بالقاهرة قال:
وذات يوم، دس للإمام الحسن السم في الطعام..!!!
ويمسك التاريخ في هذه الجريمة الدنيئة، بإحدى زوجاته وهي - جعدة بنت الأشعث بن قيس - كما يمسك بأصابع الغدر الأموي... ومن عجب أن الأشعث بن قيس، والد جعدة - كان من أبرز أنصار الإمام علي.. ثم كانت له أثناء خدعة التحكيم وبعدها مواقف مشبوهة، ومحاولات غريبة..
كانت سببا في أكثر ما نزل بالإمام يومها من آلام وأخطار.
إلى أن قال في ص 61:
ومن أسف أن الذي توقعه قد حدث.. فرفض مروان بن الحكم أمير المدينة من قبل معاوية أن تحقق رغبة الشهيد المسجى.. وأنزل إلى الشارع حرسه المسلح في خسة ودناءة، تليقان بمروان، وبمن على شاكلة مروان..!! ورأى الحسين رضي الله عنه ذلك، فانتضى سلاحه، وصمم على إنفاذ وصية أخيه.. لكن نفرا من الصحابة الأجلاء ذكروه بالفقرة الأخيرة من الوصية وحملوه عليها:
فإن منعوك، فلا تراجعهم، وادفني في البقيع..
وشرف ثرى البقيع بهذا الضيف المجيد.. وآبت إلى وطنها في جنات الخلد روح السيد وروح الشهيد.
وقال الفاضل المعاصر موسى محمد علي في كتابه: (حليم آل البيت الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه) ص 207 ط عالم الكتب بيروت قال:
الحياة بذكر الحق سبحانه، بعد ما تتلف النفوس في رضاء الحق، أتم من البقاء بنعمة الخلق، مع الحجبة عن الحق، وكأس الموت توضع على كف كل حي، فمن تحلاها طيبة بها نفسه، أورثته ما أوجبه الله، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومن تجرعها على وجه التعبس، وقع في وهدة الرد والطرد، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
وإمامنا الحسن بن علي رضي الله عنه، تجرع كأس الموت، وهو طيب النفس، راضي القلب، رافع الرأس إلى السماء قائلا: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي.
وكان سبب وفاته رضي الله عنه، ما كان يخشاه يزيد بن معاوية، من رجوع الأمر إلى الحسن، بعد وفاة أبيه معاوية. ذلك: أن معاهدة الصلح التي أبرمت بين الإمام الحسن ومعاوية، كانت كفيلة برجوع الأمر إلى الحسن بعد موت معاوية، فشرط الصلح التي تمت بين الطرفين عليها إمضاء معاوية وهو الخليفة، وكان ذلك تحت يد الإمام الحسن رضي الله عنه، حسبما تم الاتفاق بينهما على ذلك. وكان يزيد بن معاوية، لا يتمتع بسمعة طيبة، عكس ما عليه الإمام الحسن من حب الناس له، وتقديرهم إياه وقرابته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. من أجل ذلك، فكر يزيد، وقدر، ورتب أموره، وأحكم خطته، ودس لإحدى زوجاتالإمام الحسن رضي الله عنه، وهي: جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، وعاهدها ووعدها ومناها أنها، إن أنفذت أمره، وحققت رغبته، وقتلت الإمام الحسن ليتزوجها. وبذل يزيد لها مائة ألف درهم، واستجابت لنزعاته، وأحكمت خطتها، ودبرت مكرها فأطعمته رضي الله عنه السم، فمرض لمدة أربعين يوما، ثم كان ما كان من وفاة، فمات حميدا شهيدا رضي الله عنه.
وبعثت ليزيد بعد موت الإمام الحسن رضي الله عنه، تطلب منه الوفاء بما وعدها، ولكن الله لا يهدي كيد الخائنين. فقال لها يزيد: لم تصنعي الخير مع ابن رسول الله، ومن هو خير مني، فكيف تصنعينه معي؟ فباءت بالخيبة جزاء ما صنعت بالخيانة، وجنت ثمار الغدر بما ارتكبته بالمكر والإجرام.
أخرج الحافظ ابن كثير بسنده عن عمران بن عبد الله قال: سمعت من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما، أي الحسن.
وعن المغيرة عن أم موسى أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى منه شكاة، قال: فكان يوضع تحت طشت ويرفع آخر نحوا من أربعين يوما.
وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سمي الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: أنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟
ولما حضرته الوفاة اجتمع إليه الناس فقال: أيها الحاضرون، اسمعوا وأنصتوا لما أقول لكم الآن:
هذا الحسين أخي إمام بعدي فلا إمام غيره، ألا فليبلغ الحاضر الغائب، والوالد الولد، والحر العبد، والذكر الأنثى، وهو خليفتي عليكم، لا أحد يخالفه منكم، نحن ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدا شباب أهل الجنة، فلعن الله من يتقدم، أو يقدم علينا أحدا. وإني ناص عليه كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وكما نص أبي علي، وهو الخليفة بعدي من الله ورسوله، ثم أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيرا، واتبع ما أوصى به جدك عليه الصلاة والسلام، وأبوك وأمك رضوان الله عليهما.
ثم التفت إلى أخيه محمد بن الحنفية، وقال له: يا محمد بن علي، أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي، ومفارقة روحي وجسمي، إمام من بعدي؟ وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنكم خير خلقه، فاصطفى منكم جدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، واختار محمد عليا، واختارني علي للإمامة، واخترت أنا أخي الحسين لها، ثم قال له: يا أخي إن هذه آخر ثلاث مرات سقيت السم، ولم أسقه مثل مرتي هذه، وأنا ميت من يومي، وجهد به أخوه يخبره بمن سقاه السم، فلم يخبره بمن سقاه، وقال له: الله أشد نقمة إن كان الذي أظن، وإلا فلا يقتل بي والله برئ ا ه.
وفي رواية ابن عبد البر: إني يا أخي: سقيت السم ثلاث مرات، لم أسقه مثل هذه المرة، وجهد به الحسين ليخبره بمن سقاه. فقال: ما سؤالك عن هذا؟ تريد أن تقاتلهم؟ أكل أمرهم إلى الله.
وفي رواية أخرى، لقد سقيت السم مرارا، ما سقيته مثل هذه المرة، ولقد لفظه طائفة من كبدي، فرأيتني أقبلها بعود. فقال له الحسين: أي أخي من سقاك؟ قال: وما تريد؟ تريد أن تقتله؟ قال: نعم، قال: لئن كان الذي أظن فالله أشد نقمة، وإن كان غيره فلا يقتلن بي برئ.
ورأى في منامه كأنه مكتوب بين عينيه (قل هو الله أحد)، فاستبشر به، هو وأهل بيته، فقصوها على ابن المسيب فقال: إن صدقت رؤياه فقل ما يبقى من أجله، ثم قال في آخر وصاياه:
حفظكم الله أستودعكم الله، خير خليفة من بعدي عليكم، وكفى به خليفة، وإني منصرف عنكم، ولاحق بجدي وأبي وأمي وأعمامي، ثم قال: عليكم السلام يا ملائكة ربي ورحمة الله تعالى وبركاته، فلفظ آخر أنفاسه من الدنيا.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسنده قال: لما حضرته الوفاة قال: أخرجوا فراشي إلى صحن