الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن، ويسدده في أمره ويهئ له رشده، ويفلحه ويبيض وجهه ويعطيه رغبته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ومن مواعظه رضي الله عنه أنه كان رضي الله عنه، يقول: يا بن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك بمثله تكن عادلا. إنه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيرا، ويبنون مشيدا، ويأملون بعيدا، أصبح جمعهم بورا، وعملهم غرورا، ومساكنهم قبورا. يا بن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، فجد بما في يدك لما بين يديك فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع. وكان يتلو هذه الآية بعدها: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) [البقرة: 197].
وقال رضي الله عنه في كلام له: أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟ هيهات هيهات، ذهبت الدنيا بحال بما لها، وبقيت الأعمال أطواقا في أعناق بني آدم، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة، إنه والله لا أمة بعد أمتكم ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم، وأنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق آخركم. من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا رائحا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، فألوحا ألوحا، والنجاء النجاء، علام تعرجون؟ أسرع بخياركم، وأنتم كل يوم ترذلون. لقد صحبت أقواما كانت صحبتهم قرة العين، وجلا الصدور، وكانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها، وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيسا، ولا أرى أنيسا، ذهب الناس، وبقيت النسناس، ولو تكاشفتم ما تدافنتم، تهاديتم الأطباق، ولم تهادوا النصائح - يا بن آدم، إن دين الله ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال أ ه.