عجائب أحكام أمير المؤمنين (ع) - السيد محسن الأمين - الصفحة ١٩٦
خلق الله تعالى الناس على ثلاث طبقات، وأنزلهم ثلاث منازل، وذلك قوله تعالى في كتابه: * (أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون) * ((1))، فأما من ذكر من السابقين فهم من الأنبياء المرسلين وغير المرسلين، جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن ((2)).
(١) سورة الواقعة: ٨ - ١٠.
(٢) قال المجلسي (رحمه الله): قوله (عليه السلام): " جعل الله فيهم خمسة أرواح "، أقول: الروح يطلق على النفس الناطقة، وعلى الروح الحيوانية السارية في البدن، وعلى خلق عظيم، إما من جنس الملائكة أو أعظم منهم، كما قال تعالى: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * [سورة النبأ: ٣٨] والأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متبائنة، بعضها في البدن، وبعضها خارجة عنه، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الإنسانية باعتبار أعمالها ودرجاتها ومراتبها، أو أطلقت على تلك الأحوال والدرجات كما أنه يطلق عليها النفس الأمارة واللوامة والمطمئنة والملهمة بحسب درجاتها ومراتبها في الطاعة، والعقل الهيولائي وبالملكة، وبالفعل، والمستفاد بحسب مراتبها في العلم والمعرفة، ويحتمل أن تكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح الحيوانية، وروح الإيمان وروح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها، أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس وروح القدس الخلق الأعظم، فإن ظاهر أكثر الأخبار مباينة روح القدس للنفس. ويحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعا على حصول تلك الحالة القدسية للنفس، فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة، وعلى تلك الحالة وعلى الجوهر القدسي الذي يحصل له الارتباط بالنفس في تلك الحالة، كما أن الحكماء يقولون: إن النفس بعد تخليها عن الملكات الردية وتحليها بالصفات العلية، وكشف الغواشي الهيولانية، ونقض العلائق الجسمانية، يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط البدن بالروح، فتطالع الأشياء فيها، وتفيض المعارف منه عليها آنا فآنا، وساعة فساعة، وبه يؤولون علم ما يحدث بالليل والنهار، وهذا وإن كان مبتنيا على أصول فاسدة لا نقول بها، لكن إنما ذكرناه للتشبيه والتنظير، وعلم جميع ذلك عند العليم الخبير.