غفلته عن حقيقة الحال، وفائدة النهي حينئذ أنه لما زعم المكلف مقدورة العبادة الصحيحة لها حال النهي، فربما يكون في صدد إيجادها حينئذ مع جهله بالحال، فرفع الشارع هذا التوهم عنه بالإرشاد.
ويتفرع على ذلك أنه لو أتى المكلف بتلك الأفعال حال النهي لا بقصد التشريع لم يأت بالحرام، فلا يكون عليه عقاب.
ولعل هذا الوجه أظهر، لكثرة استعمال النهي في الإرشاد في خطابات الشارع.
ثم إنه يمكن تقرير الدليل المذكور بنحو آخر غير ما مر، وهو أنه لو كانت تلك الألفاظ موضوعة للصحيحة - بمعنى موضوعات أو امر الشارع - للزم كون تلك النواهي بأسرها نفسية، ناشئة من مفسدة خارجية، موجبة لحرمة تلك الأفعال ذاتا، والتالي باطل، فالمقدم مثله.
بيان الملازمة: أنها لو كانت موضوعة لذلك، فمقتضى أصالة الحقيقة إرادته منها، وقد عرفت أن الفساد العارض له لا يكون إلا بسبب أمر خارجي، لا بسبب فقد جزء أو شرط، فلازم ذلك كون النواهي لأجل مفسدة خارجية، فتكون نفسية.
واما بطلان التالي: فللإجماع على أن فساد تلك الأفعال إنما هو لأجل فقد بعض الأمور المعتبرة فيها شطرا أو شرطا، وأن النواهي غيرية لا نفسية، فإن قوله عليه السلام: (دعي الصلاة أيام أقرائك) من جهة فقدان الشرط وهو الطهارة من الحيض، وهكذا نظائره، فحينئذ لا بد إما من التزام التجوز في ألفاظ تلك العبادات في تلك الاستعمالات وهو بعيد، وإما من التزام وضعها للأعم وهو المطلوب.
وفيه: أن مرجع هذا الاستدلال أيضا إلى التمسك بأصالة الحقيقة، وقد مر الجواب عنها مرارا، فلا نطيل الكلام بإعادته.
هذا، ومنها: أنه لو كانت تلك الألفاظ موضوعة للصحيحة لزم تكرر الطلب فيها إذا وقعت في حيز الأوامر، التالي باطل، فالمقدم مثله.