للصحيحة لما صح تعلق النهي بها، أو لزم القول بعدم دلالة النهي في العبادات على الفساد، كما هو مذهب أبي حنيفة - خذله الله تعالى - والتالي باطل بكلا قسميه، فالمقدم مثله.
أقول: توضيح الاستدلال أن غرض المستدل أنها لو كانت موضوعة للصحيحة، فلا بد من حمل تلك الألفاظ الواقعة في حيز النواهي على الصحيحة، بمقتضى أصالة الحقيقة، ومع إرادة الصحيحة منها لا يمكن تعلق النهي بها، فإن لازمه الفساد، فيلزم من تعلقه اجتماع النقيضين، نظرا إلى أن مفاد مادة تلك الألفاظ والمراد منها هي الصحيحة، والمراد من هيئة النهي هي الفساد فتتناقض المادة والهيئة، فلا بد من ارتفاع إرادة أحد المفادين إما مفاد المادة، أو مفاد الهيئة، وكل منهما مستلزم للتجوز.
هذا بخلاف ما لو قلنا بوضعها للأعم، فإنه بعد حمل تلك الألفاظ عليه بمقتضى أصالة الحقيقة، فلا منافاة بينه وبين مفاد النهي، وهو الفساد، فلا يوجب الخروج عن ظاهر النهي، ولو قيل بمنع دلالة النهي على الفساد، فهو وإن كان موجبا لارتفاع المحذور المذكور، ويمكن معه إرادة الصحيحة من تلك الألفاظ إلا أنه التزام بشيء لم يقل به أحد منا، ولا من العامة إلا أبو حنيفة، فعلى القائل حينئذ التزام كون تلك العبادات المنهي عنها صحيحة بتقريب ما نقل عن أبي حنيفة في دعواه دلالة النهي على الصحة، من أن تلك الألفاظ موضوعة للصحيحة، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فيثبت أن المراد بها في تلك الخطابات الصحيحة، ولا ريب أن النهي تكليف، وهو لا يتعلق إلا بما كان مقدورا للمكلف بعد النهي كمقدوريته قبله فتعلق النهي بالصلاة الصحيحة مثلا يكشف عن مقدوريتها للمكلف بعد النهي، فتكون صلاة الحائض والنفساء صحيحة واقعا.
والقول بأن متعلق النهي كان مقدورا قبله، وخرج عن القدرة بعده بنفس النهي مردود، بأنه مستلزم لكون النهي المذكور تكوينيا لا تشريعيا، إذ لا بد في الثاني من بقاء القدرة على الفعل بعد التكليف، ولم يقل أحد بأن النهي