معنى كثر استعمال اللفظ فيه، ولا ريب أن الصحيحة أشد حاجة وأكثرها في التعبير عنها من الفاسدة أو الأعم، فيثبت بذلك أن الأغلب استعمالا في لسان الشارع هي الصحيحة، فعلى ثبوت الحقيقة الشرعية لما كان المعلوم ثبوتها بغلبة الاستعمال، فتكون هي الموضوع لها لتلك الألفاظ، وعلى تقدير عدمه، فالمجاز الشائع هي لا غير، فثبت المطلوب على التقديرين.
ثم إنك قد عرفت دعوى القائلين بوضعها للأعم عدم صحة سلبها عن الفاسدة، وعرفت جوابه إجمالا أيضا من أنها اشتباه ناش عن اعتقاد وضعها للأعم بملاحظة إطلاقها على الأعم، وعرفت أيضا دعواهم التبادر أيضا، والجواب عنه بما ذكر.
ولا بأس بالتعرض لذلك أيضا على التفصيل، والجواب عنه كذلك.
فنقول: إنهم ادعوا أنه يتبادر من قول القائل: فلان يصلي أو صلى الأعم، وهو صورة الصلاة الأعم من الصحيحة.
ويكشف عن ذلك أنه لو كان المتبادر منه الصحيحة لجاز تكذيب المخبر بعد انكشاف فساد عمل من أخبر بأنه صلى أو يصلي، فإنه في قوة الإخبار بأنه يكبر ويقرأ ويسجد إلى آخر الأجزاء والشرائط على التفصيل، التالي باطل، ضرورة عدم تكذيبه من أحد، فالمقدم مثله.
وفيه: أولا أن التبادر الذي هو علامة الوضع هو المستند إلى جوهر اللفظ، والذي هنا إنما هو مستند إلى القرينة، وهي أن الشخص لما لم يكن له سبيل إلى تشخيص صحة عمل الغير حيث إنها متوقفة على أمور لا تعلم إلا من قبل الفاعل، كنية القربة وإباحة اللباس والمكان مثلا، وأن الذي يمكنه إحرازه انما هي الصورة فهو يريد في مقام الإخبار مجرد الصورة لا غير، فالتبادر مستند إلى تلك القرينة، نظير تبادر الصورة من قول القائل: إن الكافر يصلي أو صلى، فإن امتناع تحقق الصحيح من الكافر قرينة على أنه أراد الإخبار عن وقوع صورة الصلاة منه.
ويشهد لذلك أنه لو أخبر أن فلانا يصلي الصلاة الواجبة أو المندوبة، لا يتبادر منه إلا الصورة، مع أن هذا التركيب ظاهر في الصحيحة باعتراف القائلين