بالأرض لفظه، ولا ريب أن الموضوع في تلك الأخبار إنما هو معاني تلك الألفاظ، لا هي بتأويلها إلى اللفظ، مضافا إلى أن المحمول فيها أيضا ليس الوضع، أو ما يفيد معناه فيخرج عن باب التنصيص، فبطل الاستدلال.
هذا مضافا إلى ما يرد على الاستدلال بالطائفة الثانية منها، من أنه لا مرية أنها في مقام إثبات هذه الخواص لتلك الماهيات المخترعة في الجملة، وليست في مقام العموم أو الإطلاق، ليستدل بعمومها أو إطلاقها على إثبات تلك الخواص لجميع الأفراد، ثم إثبات كون جميع مصاديقها صحيحة لذلك بقاعدة عكس النقيض، بل لا يمكن حملها على العموم والإطلاق، ضرورة أن كون العبادة مقربة أو معراجا إنما هو من لوازم القبول، ولا ريب أن القبول ليس مساويا للصحة، بل أخص منها، فإنها عبارة عن كون العمل موافقا لأمر الشارع، بحيث يسقط معه القضاء والإعادة، وهذا قد يبلغ إلى درجة القبول وقد لا يبلغ، بل أكثر ما يوجد منه أنه مما لا يبلغ حد القبول، كما هو الحال في عباداتنا وفقنا الله لطاعته المقربة إليه بعد بجاه محمد صلى الله عليه وآله عليهم السلام.
وكيف كان، فيلزم على المتمسك بتلك الأخبار إخراج أكثر افراد الصحيح عن حقائق تلك الألفاظ، وهو كما ترى.
وبالجملة: فتلك الأخبار نظير قول الطبيب: إن السقمونيا مسهل، فإنه لا يمكن حمله على الإطلاق، لعدم ثبوت تلك الخاصية في جميع مصاديق السقمونيا، بل في بعضها، وهو المشتمل على كافة شرائط التأثير الفعلي.
ثم إنه بعد ما لم تكن الأخبار المذكورة من باب التنصيص، فهل يمكن التمسك بالطائفة الأولى؟ من جهة كونها من باب صحة السلب المتحققة من عارف اللسان، بل صاحبه، حيث أن الشارع صاحب لسان المتشرعة وتحقق صحة السلب عنده علامة قطعية لخروج الفاسدة عن حقائق تلك الألفاظ.
فيه إشكال أيضا، فإن صحة السلب وعدمها اللذين هما علامتان للوضع وعدمه، ليسا من مقولة اللفظ، بل الأول عبارة عن امتناع نفس العارف باللسان من السلب، والثاني عبارة عن تجويزه إياه وقولنا: البليد ليس يصح أن لا يكون