عند المتشرعة، والمطلوب ثبوت وضعها لها عند الشارع مدفوعان.
أما الأول: فبأن الإجمال إنما هو بالنظر إلى ذات المعاني وكنهها، وهذا ينافي تبادرها بتفاصيلها وكنهها أعني بتمام أجزائها وشرائطها تفصيلا، لكن لما كان لا يلزم من الجهل بمعنى بكنهه الجهل به بجميع وجوهه وعناوينه، بل يمكن معرفته بوجه من وجوهه وإن لم يكن ذلك الوجه معتبرا في وضع اللفظ بإزائه، كما هو الحال في كثير من المعاني العرفية حيث أنا لا نعلمها بتفاصيلها، لكن نعرفها بوجه من وجوهها، بحيث تمتاز به عما عداها، كالسماء والأرض والجن والملك والجنة وجهنم وغير ذلك، فيمكن دعوى انفهام تلك المعاني من تلك الألفاظ، وتبادرها منها بأحد من وجوهها، بحيث تمتاز به عما عداها، ولو بعنوان كونها مأمورا بها عند الشارع، وان لم يكن ذلك الوجه معتبرا في وضعها، وهذا المقدار كاف في إثبات ما نحن بصدده، فإن الغرض معرفة معاني تلك الألفاظ على وجه تمتاز على عداها، وهو حاصل بذلك.
وأما الثاني: فبأنه لا ينبغي الارتياب في أن صيرورة تلك الألفاظ حقائق في تلك المعاني في الآن إنما هي من جهة غلبة الاستعمال إما من الشارع، أو منه ومن الحاضرين في زمنه التابعين له معا، أو من المتشرعة الذين هم بعد زمانه ويكون النقل حادثا في زمان المتشرعة.
فإن كان الأول، كما هو غير بعيد فلا إشكال.
وإن كان الثاني، فحينئذ وإن أمكن دعوى حدوث استعمال بعض تلك الألفاظ، كحدوث نقل جميعها في زمن المتشرعة إلا أن تقدم استعمال أكثرها وثبوته في زمن الشارع مما لا يمكن إنكاره، ولا مرية أن استعمالات هذا الأكثر الحاصلة من المتشرعة الموجبة للنقل ليست مغايرة لاستعمال الشارع من حيث الصحيح والأعم.
بل من المعلوم تبعية العرف للشارع في الاستعمال ولو مجازيا، فيثبت استعمال الشارع للألفاظ التي علم استعماله إياها في المعاني المخترعة في الصحيحة وهو المطلوب، إذ ليس الغرض إلا إثبات أن استعمال الشارع لتلك الألفاظ هل