مورد.
وكيف كان، ففي كل من الوجهين نظر، بل منع، فإن تلك الاستحسانات أي ربط لها بالترجيح، والحكم بأن لفظ الصلاة مثلا منقولة أو مشتركة، وأن حكم الله في الطواف اعتبار الوضوء باعتبار كون النقل أمرا حسنا ذا مزية كاملة.
وما يقال في تقريب هذه المرجحات من المدعي، من أن ذا المزية الكاملة أولى بإرادة المتكلم، خصوصا الفصيح الحكيم، فيحصل الظن بالمراد، فهو على تقدير صحته لا مساس له بما نحن فيه، فإن الذي يقع موردا لإرادة المتكلم فيما نحن فيه، إنما هو أمر واحد، وهو المعنى الثاني، ولا يتفاوت فيه الحال بالنسبة إلى إرادة المتكلم، إذا تعلق غرضه به بين أن يكون اللفظ مشتركا بينه وبين المعنى الآخر، وبين كونه منقولا إليه مختصا به.
والحاصل: ان المرجحات المذكورة - على تقدير صحة التعويل عليها - يؤخذ بها فيما إذا دار أمر الشخص بين النقل والاشتراك، ولا ريب أن ذلك الدوران لا يتفق لمتكلم عند إرادته للمعنى الثاني أبدا، بل هذا إنما يتصور في حق الواضع للفظ - للمعنى الثاني - فيما إذا كان وضع اللفظ له حاصلا بالوضع التعييني، لا التعيني الحاصل بسبب الغلبة، فإن النقل والاشتراك لما كانا من أقسام الوضع، فيرجعان إلى فعل الواضع، كسائر أفعاله الاختيارية، فحينئذ يمكن أن يكون كون النقل أكثر فائدة مثلا مرجحا لصدور الوضع منه على سبيل النقل وهجر اللفظ عن المعنى الأصلي.
وبالجملة، الدوران بين النقل والاشتراك، وإرادة المعنى من اللفظ إنما هي فعل المتكلم، ولا يتصور فيها ذلك الدوران، فإذن لا ربط للمرجحات المذكورة فيما نحن فيه، لأنا في مقام تشخيص الإرادة من اللفظ المردد بين كونه مشتركا أو منقولا.
اللهم إلا أن يقال: إن الشك في إرادة المعنى الثاني مسبب عن الشك في كون اللفظ منقولا إليه، أو مشتركا بينه وبين المعنى الآخر، فإنه لو علم النقل، لكان إرادته معلومة من اللفظ المجرد عن القرينة، كما هو المفروض، ولو بحكم الأصل المحكم - أعني أصالة الحقيقة - فإذا رجحنا بتلك المرجحات أن الذي صدر من الواضع بالنسبة إلى المعنى الثاني إنما هو النقل، فيرتفع ذلك الشك فيحمل اللفظ عليه حينئذ.
لكن الإنصاف، عدم جواز الركون إلى مثل هذه المرجحات، وعدم إفادتها شيئا حتى الظن، فإن كلا من النقل والاشتراك مما يصلح لتعلق غرض عقلائي به، إذ كما يقال: إن فائدة النقل رفع الإجمال عن اللفظ، وتعيين المراد، وإفهامه، كذلك