معنى ثالث، والأصل عدمه، وأصالة بقاء الوضع اللغوي على حاله وعدم تغيره، فإن النقل موجب لتغيره، فواحد من هذين الأصلين يعارض أصالة التأخر، ويبقى الأصل الآخر سليما عن المعارض، فيعين به الاشتراك اللغوي.
وتظهر الثمرة فيما إذا علم بصدور الخطاب قبل تعين اللفظ في المعنيين مع جهل التاريخ، بناء على تقديم المعنى اللغوي.
المسألة الثانية: الدوران بين الاشتراك والتخصيص.
وقد ذكروا أن التخصيص أولى من الاشتراك، واستدلوا عليه بما يرجع إلى أن التخصيص أفيد من المجاز، الذي هو أفيد من الاشتراك، فيكون أولى من الاشتراك، لأن الخير من الخير من شيء خير من ذلك الشيء بالضرورة.
هذا، وقد عرفت ضعف الركون إلى هذه الوجوه، وأمثالها من الوجوه الآتية، لعدم صلاحيتها لتغليب أحد الجانبين، وعدم ارتباطها بالمقام في شيء، فالأولى الركون إما إلى الأصول أو الغلبة.
فنقول: مقتضى الأصول هنا التوقف، لأن كلا من الاشتراك، والتخصيص مخالف للأصل، إلا أن يرجح الاشتراك، بأن التخصيص أكثر حوادث من الاشتراك، لأنهما وإن تساويا في الاحتياج إلى القرينة، وملاحظتها، وسائر ما يتفرع على وجود القرينة، إلا أن التخصيص قسم من المجاز، وهو يستدعي وجود أمر زائد على دواعي الكلام في نفس المتكلم، والأصل عدمه.
وفيه أنه معارض بأصالة عدم الوضع، فافهم.
وأما الغلبة فهي في جانب التخصيص، لكونه أكثر دورانا في لسان العرب، فيكون أرجح، وكيف كان فقد مثل له مثالان:
أحدهما قوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) () وذلك أن النكاح إن كان حقيقة في العقد خاصة، فمقتضى ذلك الحمل عليه، والتزام التخصيص بإخراج المعقود عليها من دون وطء، وإن كان مشتركا بين العقد والوطء، كانت الآية في المعقودة المجردة عن الوطء مجملة، كذا قالوا.
وفيه: ان الواجب - على فرض الاشتراك - الحمل على المعنى الذي لا يلزمه