فإن تلك الغلبة أخفى من الأولى، فإنها كانت أعم من الوجودات، وهذه مختصة بالعدميات، والأصول اللفظية كلها عدمية داخلة تحت كل واحدة من الغلبتين في الأولى بعنوان كونها أفراد من نوعها، وفي الثانية بعنوان كونها أفراد منها.
وكيف كان، فمرجع هذا الأصل إلى غلبة جنسية أو نوعية، والتي ادعيناها من الغلبة صنفية مختصة بخصوص الفرض المذكور، ولا ريب أنها حاكمة على غيرها نوعية كانت أو جنسية.
حجة القول بالتفصيل على الظاهر - وإن لم يذكرها المفصل - الغلبة في الموضعين، فإن الغالب فيما إذا حدث وضع اللفظ للمعنى الثاني من أهل عرف المعنى الأول هو الاشتراك، وفيما إذا حدث من غيره هو النقل، مضافا إلى ظهور حال ذلك الغير في ذلك، فإن الخارج من عرف إذا تصرف في لفظ من الألفاظ المستعملة في ذلك العرف ووضعه لمعنى، فالظاهر من حاله أنه أراد نسخ الاصطلاحات الثابتة لهذا اللفظ من قبل إلى الآن، وهجره عن معانيه المتقدمة، وهذا الظهور - أيضا - قسم من الظهورات المعتبرة منشؤه حال الشخص، لا الغلبة ولا غيره.
وفيه: ان الغلبة وظهور الحال كلاهما مسلمان في الفرض الثاني، لكن الغلبة في الفرض الأول على عكس ما ذكر من غلبة الاشتراك، فإن الغالب فيه أيضا النقل.
وكيف كان، فالذي ادعيناه من الغلبة الصنفية - آنفا - موجود في المقامين، فلا وجه للتفصيل المذكور، فتأمل.
الفرض الثاني: أن يكون للفظ معنى في الصدر الأول، وعلم نقله منه إلى غير ذلك المعنى، لكنه يشك في أن هذا المعنى الثاني المنقول إليه، هل هو معناه بحسب اللغة أيضا، وفي الصدر الأول، بأن يكون اللفظ في الأصل مشتركا بينه وبين المنقول منه، فيكون تعينه في المعنى الثاني من باب اختصاص اللفظ المشترك بأحد معنييه بسبب غلبة الاستعمال، لا من باب النقل الاصطلاحي، أو أنه معنى حادث للفظ في العرف بأن يكون في الأصل معناه متحدا، فنقل في العرف من ذلك المعنى إلى المعنى الثاني، فيكون من باب النقل الاصطلاحي.
والحق - في هذا القسم أيضا - تقديم النقل، والحكم باتحاد المعنى الأصلي، لغلبة اتحاد معاني الألفاظ، مضافا إلى أصالة تأخر وضع اللفظ للمعنى الثاني المنقول إليه، ومضافا إلى ندرة اختصاص اللفظ المشترك بأحد معنييه.