لكنه مدفوع، أولا: بأن الكلام إنما هو في الاستدلال بالظواهر، والذي دلت عليه الأخبار تقريرهم عليهم السلام تلاوة القراءات المختلفة والتخيير فيها بقولهم عليهم السلام (اقرأ كما يقرأ الناس) () لا جواز الاستدلال، كما هو محل الكلام، فلم يثبت التخيير فيها، حتى يتمسك بالأولوية على ثبوته في الآيات القطعية.
وثانيا: أنه على فرض ثبوت التخيير في ظواهر الكتاب المتعارضة، وجواز الاستدلال بها، فأي فرق بينها وبين غيرها من الظواهر اللفظية، كظواهر السنة، إذ لا ريب أنه ليس العمل بظواهر الكتاب من باب التعبد الشرعي، بل إنما هو من باب الطريقية، وبناء العقلاء عليه من هذه الجهة، فلا فرق حينئذ بينها وبين غيرها في مناط العمل.
الأمر الثاني:
أنه لا فرق فيما اخترناه من التوقف في تكافؤ الأصلين بين ما إذا كان الخطابان كلاهما محلا للابتلاء، بمعنى تضمن كل واحد منهما توجها إلى المكلف، وبين ما إذا لم يكونا كذلك، بأن خرج أحدهما عن مورد الابتلاء، كأن يكون أحدهما في الأحكام، والآخر في القصص، فوقع التعارض بينهما بالعرض - أعني بسبب العلم الإجمالي - بمخالفة ظاهر أحدهما، ولا يجوز قياس الأصول اللفظية بالأصول الشرعية العملية أو الأمارات والطرق الشرعية.
أما الأصول العملية، فهي حقيقة أحكام ظاهرية، وليس لها جهة كشف أصلا، فتعارضها يرجع إلى تعارض الحكمين الشرعيين، فإذا فرض ابتلاء المكلف بأحدهما أي أحد الأصلين المتعارضين، فالمتوجه إليه - حينئذ - إنما هو هذا الذي ابتلي به دون الآخر، فهو غير مكلف بالحكم الآخر، وغير متوجه إليه ذلك، فلا تعارض بينهما، بل المتعين عليه هذا الأصل المبتلى به، كما إذا علم إجمالا بنجاسة ثوبه أو ثوب زيد مع عدم ملاقاته لثوب زيد، فإنه ليس حينئذ مكلفا باستصحاب طهارة ثوب زيد، حتى يعارض استصحاب طهارة ثوبه، بل المتوجه إليه الآن إنما هو استصحاب طهارة ثوب نفسه، فهو المتعين عليه.
وأما الأمارات والطرق الشرعية، فلأن جعلها حقيقة إنما يرجع إلى أحكام ظاهرية مماثلة للأحكام الواقعية، فإن معنى جعل البينة أمارة إيجاب الشارع العمل على