طبقها، وترتيب آثار الصدق عليها، لا إحداث صفة الكشف فيها، فإنها غير قابلة للجعل، فيكون الحال في تعارضها أيضا حال الأصول العملية، من حيث رجوع التعارض فيها - أيضا - إلى تعارض الحكمين، فيتجه التفصيل فيها، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد اللحمين اللذين كان كل منهما لمسلم فاشترى أحدهما، فإن المتوجه - حينئذ - إنما هو ترتيب آثار هذه اليد على ما أخذ منها، دون اليد الأخرى، فيحل له أكل هذا اللحم من دون توقف على تبين حاله، ليعلم أنه ليس المعلوم بالإجمال.
والحاصل: ان التعارض في الأصول والطرق الشرعية مرجعه إلى تعارض الأحكام الفرعية، ولا ريب أنه إذا لم يتوجه عليه أحد الحكمين المتنافيين فالمتعين في حقه إنما هو الحكم الآخر، هذا بخلاف الأصول اللفظية فإنها لما كانت طريقيتها بأنفسها، ولم يكن للشارع فيها جعل أصلا إلا إمضاءه عمل العقلاء عليها فتعارضها لتكاذب الأمارتين، فكل واحد من الأصلين اللفظيين المتعارضين يكذب الآخر. ولو لم يكن متضمنا لحكم على المكلف لكان كل من الخطابين - حينئذ - مجملا في مفاده، سواء كان التعارض ذاتيا أو عرضيا، ومعه يسقط الاستدلال بالخطاب الذي هو مورد الابتلاء، إذ مداره على الظهور، وإذ ليس فليس.
ومن هذا ظهر وجه اختيار شيخنا - دام ظله - لما اخترنا من عدم الفرق في رسالة أصالة البراءة (1)، وضعف ما اختاره من التفصيل في مسألة حجية ظواهر الكتاب (2).