الشارع، بل هي من القواعد العرفية في محاوراتهم، ولا مرية أنه لا يعقل تعبد العقلاء بمجرد الشك من دون آمر لهم، كما هو المفروض، فكيف بما إذا كان الظن على الخلاف، وكيف كان فيمكن دعوى ما ذكر في الصورة الأولى، فإن بناء العقلاء على العمل بالظن في أمورهم. وأما في الأخيرين فلا.
وإن شئت توضيح الحال، فارجع إلى العرف فيما إذا أمر المولى عبده بقتل ولده، أو تخريب داره، وغير ذلك من الأمور العظيمة، وشك العبد في كون المراد ظاهر هذا الخطاب، ولم يستفد من المولى، مع تمكنه منه، ففعل بمقتضى ظاهر اللفظ الذي كان مشكوك الإرادة عنده، ثم انكشف أن مراد المولى كان غير ذلك الظاهر، فلا ريب أنه بعد اطلاع العقلاء على كون العبد شاكا في ذلك عند سماع الخطاب، وامتثل شاكا، فهم لا يرتابون في استحقاقه الذم واستحقاقه العقاب من مولاه. ولو كان ظاهر اللفظ حجة، من دون تقييده بالقطع، أو الظن بإرادته، لما كان للمولى عقابه وذمه، ولو عاقبه يقبحه العقلاء، وقد عرفت خلافهما.
ومن هنا ظهر ضعف القول باعتبار الأصل المذكور من باب الظن النوعي، فإن الظن النوعي شك فعلا في بعض صوره، مضافا إلى اجتماعه مع الظن بالخلاف، بل ملاحظة تلك الأمثلة توقفنا عن دعوى ما ذكر في الصورة الأولى أيضا.
وكيف كان، فإثبات ذلك، ولو في الصورة الأولى، فيما إذا لم يحصل العلم بكون الحقيقة مرادة، ولو مع الظن بإرادتها، مع التمكن من السؤال - كما هو المفروض - مشكل غاية الإشكال، فيشكل التمسك ببناء أهل اللسان، واستقرار سيرتهم على حمل الألفاظ على حقائقها مجردة عن القرينة في محاوراتهم الشفاهية، لما عرفت من أن الغالب حصول القطع لهم بالمراد حينئذ، بحيث يشذ الشك فيه غاية الشذوذ، ولم يعلم من حالهم البناء على ما ذكر في صورة الشك في كون الحقيقة مرادة، ولو مع الظن بإرادتها مع تمكنهم من السؤال، ومع ذلك لا يثبت كون أصالة الحقيقة في مقام الشفاه من الظنون الخاصة المعتبرة.
فإن قيل: إنا نجد في العرف أنه لو أمر المولى عبده بشيء، فترك العبد الإتيان بذلك الشيء معتذرا، بأني لم أتيقن بكون الظاهر مرادا، لم يعذر ويستحق الذم والعقاب عند العقلاء قطعا، فلو كان اعتبار الظهور اللفظي وأصالة الحقيقة متوقفا على العلم، لما كان وجه لذمه وعقابه.
قلنا: إن ذمه واستحقاقه العقاب - حينئذ - لأجل ظهور كذبه في - دعواه