عدم العلم، فإن منشأ احتمال خلاف إرادة الحقيقة - كما عرفت - يكون بمثابة من الضعف، لندرته وشذوذه، بحيث يحصل القطع بعدمه.
فإن قلت: إنا نرى أنه لو علم صدق العبد في مقالته، بحيث صدقه المولى أيضا لصح ذمه وعقابه أيضا.
قلنا: إن صحتهما حينئذ، لأجل تقصير العبد في فهم مراد المولى مع تمكنه من السؤال بسهولة، فلما لم يحتط، مع تمكنه منه، فصحتهما لذلك، لا لأجل كون الظاهر حجة عليه، فظهر أن الظاهر حينئذ ليس حجة لا للمتكلم ولا عليه، ولا للمخاطب ولا عليه.
فإن قيل: إن الذي ذكرته من وجوب الاحتياط والسؤال - عند طروء الإجمال - في كون الحقيقة مرادة تخريب لما بنى عليه المحققون، من الرجوع إلى أصالة البراءة فيما إذا كانت الشبهة من جهة إجمال النص، إذ مقتضى ما ذكرته وجوب الاحتياط ثمة.
قلنا: أولا: إن بناءهم على ما ذكرت في غير ما نحن فيه، فإنه مختص بالخطابات الغيبية، والذي ذكرنا إنما هو في الخطابات الشفاهية، ولا تنافي ولا تخريب.
وثانيا: إن العمل بأصالة البراءة مطلقا موقوف على الفحص عن المعارض، ثم بعد اليأس منه يرجع إليها، وذلك إنما يتصور في الخطابات الغيبية، وأما في الشفاهية التي هي محل الكلام، فلا ريب أنه بعد الفحص يتبين الحال، ويحصل القطع بالواقعة، فلا مجرى بعده لأصالة البراءة، هذا بخلاف الخطابات الغيبية، فإنه لا يحصل القطع غالبا، فيبقى لها المجال فيها.
وكيف كان، فحال المخاطب - في الخطابات الشفاهية - في وجوب السؤال عليه عن الواقعة من المتكلم، نظير حال أهل الجاهلية الذين كانوا في أول بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أخذ معالم دينهم منه صلى الله عليه وآله وسلم فيما إذا احتملوا حكما جديدا، فإنهم مع أن الشبهة في حقهم بدوية لم يجز لهم التقاعد عن السؤال، والرجوع إلى البراءة الأصلية إجماعا، وضرورة من الدين، بل كان يجب عليهم الرجوع، والسؤال عن حقيقة الحال عند قيام الاحتمال.